حذفت منظمة العمل الدولية بالقاهرة بيانًا كانت قد نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أشادت فيه بالقانون الذي أقره مجلس النواب مؤخرًا، واصفة إياه حينها بأنه "محوري في تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق قرابة 30 مليون عامل وعاملة". وجاء حذف البيان بعد يومين فقط من نشره، إثر موجة من الانتقادات الواسعة من منظمات مجتمع مدني وجهات نقابية مستقلة، اعتبرت إشادة المنظمة انحيازًا صريحًا لحكومة عبدالفتاح السيسي ورجال الأعمال، على حساب حقوق العمال ومصالحهم. تعديل وتراجع لم يتوقف تراجع المنظمة الدولية عند حذف البيان فقط، بل شمل أيضًا تعديل منشور آخر كان يتحدث عن ورشة عمل مشتركة مع وزارة العمل لاعتماد الملف الوطني للسلامة والصحة المهنية، حيث تم حذف جملة "مصر تخطو نحو بيئات عمل أكثر أمانًا" بعد نصف ساعة فقط من نشره، في إشارة على ما يبدو إلى محاولة تهدئة الغضب المتصاعد. البيان المحذوف، الذي أثار الجدل، تحدث عن "قانون يدعم علاقات العمل المتوازنة ويضمن الأجر العادل"، وأكد أن القانون تم تطويره من خلال "حوار اجتماعي شامل وبما يتماشى مع معايير العمل الدولية". إلا أن هذه الصيغة قوبلت بالاستهجان من جهات حقوقية ونقابية اعتبرتها بعيدة عن الواقع، في ظل ما وصفوه بـ"التراجعات الخطيرة" التي يتضمنها القانون. اعتراضات بالجملة قال رئيس اتحاد تضامن النقابات المستقلة (تحت التأسيس) أحمد المغربي إن حذف البيان يمثل "خطوة في طريق تصويب موقف المنظمة التي انحازت للحكومة ورجال الأعمال على حساب ملايين العمال". وأشار المغربي إلى أن الاتحاد وجه خطابًا رسميًا إلى مدير مكتب المنظمة بالقاهرة، إريك أوشلان، طالبه فيه بإعادة النظر في الموقف الداعم للقانون، والاستماع بجدية للاعتراضات النقابية والمدنية، بما يضمن توافق التشريعات المصرية مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر. من جانبه، اعتبر مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن التراجع غير كافٍ، مطالبًا المنظمة الدولية بـ"اعتذار علني والتحقيق مع المسؤولين عن إصدار البيان"، معتبرًا أن "المنظمات الدولية لا ينبغي أن تتورط في تزكية قوانين تفتقر إلى التوافق المجتمعي، أو تنحاز إلى الحكومات ضد الشعوب". جوهر الاعتراضات: أمان وظيفي مهدور وعقود بلا حماية ينبع جوهر الاعتراضات النقابية والحقوقية من أن القانون الجديد، بحسب المنتقدين، يرسّخ هشاشة العلاقة بين العامل وصاحب العمل، حيث خفض نسبة العلاوة الدورية من 7% إلى 3%، وسمح بالتوسع في العقود المؤقتة، ومنح أصحاب الأعمال صلاحيات واسعة في إنهاء خدمة العامل دون ضمانات حقيقية. وترى جهات عديدة أن القانون أُقرّ دون حوار مجتمعي حقيقي، بل إن ملاحظات القوى النقابية المستقلة والمجتمع المدني لم يُلتفت إليها، رغم إرسالها رسميًا إلى أعضاء البرلمان. في هذا السياق، كانت دار الخدمات النقابية والعمالية قد أصدرت في فبراير الماضي ورقة تحليلية تضمنت ملاحظات تفصيلية على القانون، سلّمتها إلى عدد من النواب والنقابات المستقلة والقوى الحزبية، في محاولة لتعديل المواد المثيرة للجدل قبل تمريرها. كما أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقريرًا مطوّلًا أوضح فيه أن القانون لا يحقق التوازن المطلوب بين حقوق العمال وأصحاب الأعمال، رغم ما تضمنه من بعض التحسينات. البرلمان يقر القانون رغم الاعتراضات رغم هذه التحذيرات، وافق مجلس النواب نهائيًا، الأسبوع الماضي، على مشروع القانون، بعد أن أعادت الحكومة عرض عدد من مواده بناء على ملاحظات سابقة. وكان البرلمان قد وافق في جلسة سابقة على القانون من حيث المبدأ، لكنه أرجأ التصويت النهائي لمزيد من النقاش، خصوصًا فيما يتعلق بتعريف "العامل" وبعض شروط الإضراب عن العمل. لكن التعديلات التي أجريت لم تكن كافية في نظر عدد من النواب والنقابيين، مؤكدين ضرورة إعادة النظر في المواد المتعلقة بعقود العمل محددة المدة، وشروط الفصل، وبنود الإضراب، خاصة ما يتعلق بمدة الإخطار وتحديد المنشآت الحيوية التي يُحظر فيها الإضراب، والتي اعتبروها فضفاضة وتفتح الباب لقمع الحريات النقابية.