في قلب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تتكشف واحدة من أكبر المآسي الإنسانية التي يشهدها السودان منذ عقود، وسط حصار خانق تفرضه قوات "الدعم السريع"، المدعومة بشكل مباشر من دولة الإمارات. وبين ركام المستشفيات المدمّرة، ومخيمات النزوح التي تفوح منها رائحة الموت، يبرز سؤال ملحّ: ما الذي تفعله أبوظبي في دارفور؟ ولماذا تُستخدم الفاشر كساحة لتصفية حسابات نفوذ على حساب أرواح الأبرياء؟ مجزرة تحت الحصار.. عندما تتحول المدينة إلى مصيدة موت الهجوم الأخير الذي شنّته قوات الدعم السريع على المدينة لم يكن مجرد عملية عسكرية ضمن الحرب الأهلية السودانية، بل كان أقرب إلى مجزرة جماعية مدروسة، تم خلالها عزل المدينة تمامًا عن الإمدادات الطبية والغذائية. تقول مصادر محلية إن الفاشر تحولت إلى "سجن مفتوح"، لا يستطيع أحد دخوله أو الخروج منه، وسط قصف عشوائي يطال الأحياء السكنية والمخيمات. وفي مخيمات النازحين الكبرى مثل زمزم وأبو شوك وأبوجا، يعيش عشرات الآلاف بلا غذاء أو دواء، بينما يعالج السكان الجرحى باستخدام الأعشاب الطبية وقطع القماش، في مشهد يعيد للأذهان صور المجاعات التاريخية الأكثر فتكًا في القارة الإفريقية. الإمارات والدعم السريع.. تحالف الدم والنفوذ في الخلفية السياسية والعسكرية، تقف أبوظبي كلاعب مركزي في تغذية هذه الكارثة. فبحسب تقارير دولية متقاطعة، يتلقى محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، دعمًا سخيًا من الإمارات يشمل المال والسلاح، مرورًا بتسهيلات دبلوماسية ودعم إعلامي. مصادر دبلوماسية أكدت أن الدعم لا يقتصر على تزويد المليشيا بالأسلحة، بل يشمل كذلك تأمين قنوات لوجستية عبر دول الجوار، وتوفير غطاء سياسي في المحافل الدولية، خصوصًا داخل بعض دوائر الأمم المتحدة التي تتجنب توجيه إدانة صريحة لأبوظبي. ويشير محللون إلى أن الهدف الإماراتي في السودان يتجاوز الفاشر، ويتصل بخطط السيطرة على الموانئ السودانية على البحر الأحمر، وحقول الذهب في دارفور، وخلق كيانات مسلحة موالية تقوّض وحدة الدولة وتمنح الإمارات نفوذًا استراتيجيًا في العمق الإفريقي. مجاعة معلنة وأرقام مرعبة الأمم المتحدة أعلنت رسميًا أن مخيم زمزم يعيش حالة "مجاعة فعلية"، وأن ما لا يقل عن 400 شخص قُتلوا خلال الأيام الماضية نتيجة القصف أو بسبب نقص العلاج، بينما يواجه أكثر من مليون إنسان خطر الموت جوعًا أو مرضًا، بينهم 825 ألف طفل تصفهم "اليونيسف" بأنهم "محاصرون في الجحيم". وسائل إعلام دولية، بينها وكالة الأنباء الفرنسية، نقلت شهادات لجرحى يضطرون لعلاج أنفسهم بالنباتات الطبية، بعد أن فرّت الكوادر الطبية من المدينة أو سقطت ضحية القصف، في ظل عجز تام عن إيصال أي مساعدات بسبب الحصار. الناس يحفرون الأرض ليحتموا.. والعالم يتفرّج "ننام في ملاجئ حفرناها بأيدينا، ونغلقها بأكياس الرمل حتى لا تموت أطفالنا بالقصف"، هكذا يصف أحد سكان الفاشر يومياته، ومع أن الغارات لا تميّز بين طفل أو مسنّ، لا يملك الأهالي سوى الاحتماء بالأرض. منظمة "أطباء بلا حدود" حذرت من كارثة إنسانية كبرى، وقال رئيس بعثتها في السودان، راسماني كابوري: "نحتاج إلى ممرات جوية فورية لإيصال الغذاء والدواء. السكان يموتون ببطء. العالم مطالب بالتحرك الآن".