بدأت تظهر تصدعات في جدار الدعم الغربي الراسخ لإسرائيل بعد أكثر من 19 شهراً من المجازر والتجويع الذي تعرض له أطفال غزة، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها المؤسسات الغربية تحولاً في موقفها تجاه العدوان الإسرائيلي، بحسب تقرير منشور في ميدل إيست آي للكاتب جوناثان كوك.

افتتح هذا التغير المفاجئ صحيفة فايننشال تايمز، التي شجبت "الصمت المخزي" للغرب إزاء الجرائم الإسرائيلية، متهمة الولايات المتحدة وأوروبا بالتواطؤ بينما حوّلت إسرائيل غزة إلى "أرض غير صالحة للعيش"، في تلميح إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

ثم حذرت إيكونوميست من مساعٍ إسرائيلية لتفريغ غزة من سكانها وإعادة بناء مستوطنات يهودية، وهي تصريحات كانت من المحرمات في الصحافة الغربية حتى وقت قريب.

أدانت صحيفة إندبندنت الصمت الغربي، وكتبت أن "الوقت قد حان ليستيقظ العالم ويطالب بوقف معاناة الفلسطينيين المحاصرين".

أما الجارديان، فاكتفت بطرح سؤال تحذيري: "ماذا يعني التخطيط لغزة بلا فلسطينيين، إن لم يكن هذا إبادة جماعية؟".

واختار برنامج "PM" في إذاعة بي بي سي أن يبث شهادة كاملة لرئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن، الذي تساءل: "ما الدليل الذي تحتاجونه بعد؟ هل ستتحركون لمنع الإبادة؟".

في البرلمان البريطاني، ظهر شرخ آخر. فقد أقر النائب المحافظ مارك بريتشارد، المعروف بدعمه الطويل لإسرائيل، بأنه كان مخطئاً، مطالباً باعتراف فوري بدولة فلسطينية.
كما طالب أكثر من 40 نائباً وزير الخارجية البريطاني بتوضيح مزاعم تضليل الرأي العام بشأن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، رغم فرض حظر شكلي عليها.

في فرنسا، وصف الرئيس ماكرون الحصار الكامل على غزة بأنه "مخزٍ وغير مقبول".

ونددت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني بالحصار، مشيرة إلى وجوب احترام القانون الدولي.

أما في الولايات المتحدة، فقد صرّح السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين بأن ما يجري هو "تطهير عرقي"، بينما واجهت كريستيان أمانبور مسؤولة إسرائيلية في مقابلة قاسية حول تجويع الأطفال.

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساراً مفاجئاً، إذ تفاوض مباشرة مع حماس لإطلاق سراح آخر أسير أمريكي في غزة دون تنسيق مع نتنياهو، وصرح بأنه "حان الوقت لإنهاء هذه الحرب الوحشية"، في تباعد واضح عن الخطاب الإسرائيلي.
 

في الميدان، يتحول الحصار إلى إبادة علنية
لم يدخل غزة طعام أو دواء منذ أكثر من شهرين، والآلاف يواجهون الموت جوعاً.
تظهر صور الأطفال الهزلى من غزة شبهاً مؤلماً بأطفال معسكرات النازيين.
ومع منع الصحفيين الأجانب وقتل الفلسطينيين الذين يوثقون المجازر، بدأت الطبقات السياسية والإعلامية الغربية تبحث عن مبررات مسبقة لتورطها.

تواصل إسرائيل ترسيخ الأسطورة التي تزعم أن غزة خارجة عن الاحتلال منذ انسحابها عام 2005.

لكن الحقيقة، كما أكدتها محكمة العدل الدولية، أن غزة لم تخرج يوماً من تحت الاحتلال العسكري والسيطرة الكاملة لإسرائيل، براً وبحراً وجواً.

رغم ذلك، ما زال الإعلام الغربي يروج لرواية "الحرب في غزة" ويصور القتل الجماعي والتجويع على أنه "صراع" مع حماس.

ومع اقتراب "اليوم التالي" الذي تتعهد فيه إسرائيل بإعادة احتلال القطاع بالكامل، تنهار الرواية الرسمية ويصبح التواطؤ الغربي في الإبادة الجماعية واضحاً.

تسعى إسرائيل اليوم إلى استبدال وكالة الأونروا، التي ترعى لاجئي غزة، بشركات خاصة تشرف على توزيع محدود للمساعدات عبر نقاط عسكرية تقع قرب حدود مصر، حيث يتوجب على الفلسطينيين تسجيل بياناتهم البيومترية، مع احتمال تعرضهم للاعتقال أو الترحيل القسري إلى سيناء.

قصف الاحتلال مخازن الغذاء والمطابخ الجماعية، وأدى نقص الوقود والطعام إلى إغلاق ثلث مطابخ الإغاثة التي تمثل آخر شريان حياة للناس.

وبدلاً من الاعتراف بالجريمة، يروج أنصار إسرائيل لرواية تبرر المجاعة وتلقي باللوم على الضحايا أنفسهم.

أكثر من 200 منظمة أممية وإنسانية، منها اليونيسف، حذرت من خيار "التشريد أو الموت"، وأكدت أن خطة المساعدات الإسرائيلية تعني في جوهرها ترسيخ سياسة التطهير العرقي.

لكن إيقاف هذه الجرائم يتطلب شجاعة سياسية حقيقية من الغرب، لا مجرد كلمات فارغة.

وهذا ما يؤكده تقرير ميدل إيست آي الذي سلط الضوء على بداية تصدع جدار التواطؤ، لكنه يقر بأن الطريق ما زال طويلاً.

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-genocide-wall-silence-finally-starting-crack-why