كشفت وثائق بريطانية أُزيح الستار عنها مؤخرًا أنّ الولايات المتحدة أجّلت جهودها لإلغاء قرار أممي يساوي بين الصهيونية والعنصرية لمدة عامين، تفاديًا لصدام دبلوماسي "شديد الضرر" مع الدول العربية، بحسب ما أورده ميدل إيست مونيتور في تقرير للكاتب عامر سلطان.
تبين الوثائق أنّ واشنطن ولندن أبدتا قلقًا بالغًا من تداعيات التحرك السريع لإلغاء القرار، خشية تفجير أزمة مع العالم العربي.
في 10 نوفمبر 1975، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار 3379، الذي نص على أنّ الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
تقدّمت منظمة التحرير الفلسطينية وكوبا بمشروع القرار دون تنسيق مع المجموعة العربية في الأمم المتحدة، كبديل لمحاولة مباشرة لتعليق عضوية إسرائيل أو طردها. حصل القرار على 72 صوتًا مؤيدًا، بينها جميع الدول العربية، مقابل 35 رافضًا، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم الدول الغربية، وامتناع 32 عن التصويت.
منذ تبني القرار، ضغطت جماعات مؤيدة لإسرائيل في الغرب لإلغائه. في ديسمبر 1989، أطلق نائب الرئيس الأمريكي دان كويل حملة لإلغاء القرار، مدعومًا من مساعد وزير الخارجية جون بولتون.
لكن تقارير دبلوماسية بريطانية اعتبرت المبادرة "فرصة سياسية صريحة" هدفها استمالة جمهور يهودي في نيويورك وإرضاء المزاج الصهيوني لدى اليمين الجمهوري.
أوصى الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويار واشنطن بعدم المضي قدمًا، ونصح بـ"ترك الأمور كما هي".
بدوره، حذر كريسبين تيكل، المندوب البريطاني الدائم لدى الأمم المتحدة، من فشل محتمل بسبب تعقّد مسار السلام وغياب الاعتراف الأمريكي بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
توقّع تيكل أنّ فتح الملف سيمنح "العرب المتشددين فرصة لخلق المتاعب"، كما نبه إلى احتمال تسليط الضوء على سياسات إسرائيل التمييزية، خاصة في قوانين الهجرة، مما قد يدفع دول عدم الانحياز لتأييد القرار الأصلي.
أوصى تيكل بأن تعبّر بريطانيا للولايات المتحدة على أعلى المستويات عن "قلقها العميق من الضرر السياسي" الذي قد يطال الأمم المتحدة وعملية السلام إذا أُعيد فتح الملف.
كما شدّد على أن أي محاولة جديدة لإلغاء القرار يجب أن "تقدّم شيئًا للعرب" للحصول على دعم واسع.
نصحت الخارجية البريطانية واشنطن بعدم المضي ما لم يُدمج الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، خاصة حق تقرير المصير. وزير الخارجية دوجلاس هيرد أكد أنّ النجاح يتطلب توازنًا بين الاعتراف بالصهيونية والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وأمر دبلوماسييه بإبلاغ الأمريكيين برغبة لندن في تأجيل أي تحرك.
فهمت واشنطن سريعًا، بعد مشاورات مع البريطانيين، أن المبادرة قد تتحول إلى "شجرة عيد ميلاد" مع إضافة تعديلات غير مقبولة من دول عربية متشددة.
كما حذرت حكومة الانقلاب في مصر، التي كانت تتابع الملف عن كثب، من أنّ أي تحرك خاطئ قد يضر بعملية السلام.
سعت الولايات المتحدة أيضًا لكسب دعم السعودية، لكنها فشلت؛ حيث رفضت الرياض اقتراحًا أمريكيًا بتعديل صياغة القرار لتعريف الصهيونية بأنها "حركة تحرير لليهود"، وردّت برسالة شديدة اللهجة إلى بريطانيا أدانت فيها أي تحرك لإلغاء القرار، واتهمت إسرائيل بانتهاكات منهجية ضد الفلسطينيين، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، بما في ذلك هدم المنازل، الترحيل القسري، والاعتقال لفترات طويلة تحت التعذيب، وصولًا إلى اقتلاع العيون وكسر العظام ودفن الضحايا وهم أحياء.
أظهرت مراسلات داخل الحكومة البريطانية أنّ وزارة الخارجية رأت التوقيت غير مناسب لإعادة فتح الملف، واعتبرت أنّ الفشل قد يحرج دولًا عربية معتدلة كالأردن ومصر، بينما يستغله صدام حسين والقذافي لتأجيج الرأي العام العربي.
كذلك، خشيت لندن من إحراج إسرائيل أمام أصدقائها الجدد في أوروبا الشرقية، خصوصًا في ظل الانتفاضة.
في ظل تلك المخاطر، أبلغت واشنطن حلفاءها الأوروبيين أنها ستؤجّل التصويت لكنها ستعمل على حشد الدعم تدريجيًا.
بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، تحرّكت الولايات المتحدة مجددًا.
في 16 ديسمبر 1991، ألغت الجمعية العامة القرار 3379 بقرار جديد صوّتت لصالحه 111 دولة، مقابل 25 ضد، وامتناع 13.
لكن القرار الجديد لم يذكر أي حقوق فلسطينية، ما دفع الدول العربية للتصويت ضدّه، في حين غابت سبع دول عربية عن الجلسة: مصر والبحرين وجزر القمر والكويت والمغرب وعمان وتونس.
تؤكد وثائق ميدل إيست مونيتور أنّ الولايات المتحدة أرجأت مبادرتها خوفًا من خسارة الدعم العربي، وأدركت أنّ نجاحها لا يتحقق إلا بتقديم تنازلات جوهرية للطرف العربي، لا بمجرّد شطب عبارة من قرار.
https://www.middleeastmonitor.com/20250515-the-us-delayed-a-resolution-removing-equating-zionism-with-racism-to-avoid-damaging-clash-with-arabs-uk-docs-reveal/