شهد العالم العربي في هذا العام حالة من الانقسام اللافت بشأن موعد عيد الفطر المبارك، إذ أعلنت دول عدة، من بينها السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين والسودان ولبنان وفلسطين، أن الأحد 30 مارس هو أول أيام شهر شوال، وبالتالي أول أيام العيد.

في المقابل، اختارت دول أخرى، مثل مصر والأردن والعراق وسوريا وسلطنة عُمان والجزائر وتونس وليبيا، إتمام شهر رمضان ثلاثين يومًا، ليكون الاثنين 31 مارس هو يوم العيد لديها، ما تسبب في تباين واضح أثار جدلاً واسعًا، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي.

الاختلاف في إعلان العيد بين الدول العربية ليس بالأمر الجديد، لكنه هذا العام أعاد إلى الواجهة سؤالاً جوهريًا أكثر حساسية، وهو: هل سيمتد هذا التباين الفلكي إلى عيد الأضحى أيضًا؟

فبعكس عيد الفطر، يرتبط عيد الأضحى ارتباطًا وثيقًا بمناسك الحج وتوقيت الوقوف بعرفة، والذي يُعلن رسميًا في المملكة العربية السعودية، ما يجعل الالتزام به ضرورة شرعية في نظر كثيرين. ومع ذلك، وفي ظل تطور النقاشات حول توحيد الرؤية أو الاعتماد على الحسابات الفلكية، يبقى التساؤل قائمًا: هل يشهد عيد الأضحى القادم اتفاقًا عربيًا، أم يعيد الخلاف مجددًا إلى الواجهة؟

 

قمر واحد.. مطالع مختلفة

بداية، دعنا نتعرف إلى دورة القمر، وهو ذلك المسار الذي يتخذه القمر حول الشمس كل نحو 28 يومًا، ويفعل ذلك بشكل متكرر منذ ملايين السنوات.

على الأرض، يمكن لنا مراقبة هذا المسار، حيث يظهر في تغير أطوار القمر وموقعه في سماء الليل، حيث تبدأ أطوار القمر هلالا، ويمكن أن تخرج في أي من الشهور القادمة لتلاحظه، لكن لو قررت خلال الأيام التالية لهذا اليوم، أن تحسب الفترة التي يقضيها القمر في السماء بعد غروب الشمس، ستلاحظ أنها تزيد يومًا بعد يوم بمقدار نحو 50 دقيقة.

يحدث ذلك بسبب أن القمر يدور حول الأرض، فيبدو لنا وكأنه يتحرك في السماء مبتعدًا من الشمس يومًا بعد يوم، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

لكن ماذا لو قررنا، نظريًا لغرض الفهم، أن نعيد الزمن إلى الوراء يومًا بعد يوم؟ هنا سيقترب القمر من الشمس حتى يقف إلى جوارها في السماء.

تسمى تلك "لحظة الاقتران"، وتكون هي أولَ الشهر القمري، لا يمكن لنا أن نرى القمر فيها بالطبع، لكنّ الفقهاء والفلكيين يستخدمونها للتنبؤ ببداية الشهر الهجري.

فإذا كانت لحظة الاقتران قد حدثت بوقت كاف قبل خروج المختصين من الهيئات الشرعية لرصد الهلال ليلة الرؤية يوم 29 من الشهر الهجري، فإن ذلك يرجح أن يتمكنوا من رصد الهلال ويعلن اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري.

 

اتفاق على ذي القعدة

الآن دعنا نقسم الدول بالأعلى إلى فريقين لتسهيل الفهم، وليكن الفريق الأول هو من بدأ عيده الأحد، والثاني هو من بدأ عيده في يوم الاثنين.

في نهاية شهر شوال، كانت لحظة الاقتران في تمام الساعة 22:31 بتوقيت مكة يوم 27 أبريل، وهذا هو يوم الرؤية بالنسبة للفريق الأول، وكما تلاحظ فإن ذلك يعني أن الاقتران سيحدث أصلا بعد الغروب، ما يؤكد عدم رؤيته، وبالتبعية أعلنت دول الفريق الأول اليوم التالي متمما لشهر شوال، وكانت بداية ذي القعدة بالنسبة لها يوم 29 أبريل.

 

على الجانب الآخر فإن دول الفريق الثاني خرجت للبحث عن الهلال يوم 28 أبريل (لأنها تأخرت يوما عن الفريق الأول)، وهنا سيكون قد مر على ولادة الهلال عند الغروب أكثر من 20 ساعة، وهي فترة كافية جدا ليبتعد الهلال عن الشمس ويُرى بسهولة، بعينين مجردتين.

وهذا ما حدث فعلا، فهذه الدول لم تتم شوال، وأعلنت اليوم التالي غرة شهر ذي القعدة، وهو الموافق 29 أبريل.

 

اتفاق محتمل جدًا

وبذلك اتفقت الدول العربية عن موعد غرة ذي القعدة، لكن الأمر لم ينته بعد، فلا تزال هناك حاجة لرصد هلال شهر ذي الحجة، الذي يحدد بالتبعية موعد عيد الأضحى.

في هذه الحالة، يبدو أن التوفيق سيكون حليفا للدول العربية، حيث إن لحظة الاقتران فجر يوم 27 مايو، في تمام الساعة 6:02 صباحا بتوقيت مكة، يترك ذلك فترة كافية لكثير من الدول العربية أن ترى الهلال، ليس بالعين المجردة هذه المرة، لكن على الأقل عبر التلسكوب، وعليه يعلن اليوم التالي غرة ذي الحجة.

يرجح ذلك أن تتفق الدول العربية هذا العام على غرة ذي الحجة، والتي ستكون يوم 28 مايو وبالتبعية يبدأ عيد الأضحى يوم 6 يونيو.