وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بإنهاء البرنامج الأمريكي للعقوبات الشاملة المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقدين، مع الإبقاء فقط على العقوبات الموجهة ضد الرئيس السوري بشار الأسد ومعاونيه، والمتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وتهريب المخدرات، والأنشطة المرتبطة بالأسلحة الكيميائية والتنظيمات الإرهابية.

القرار التنفيذي، الذي نُشر مساء أمس على الموقع الرسمي للبيت الأبيض، جاء تتويجًا لتحول سياسي لافت في الموقف الأمريكي تجاه دمشق بعد الإطاحة بنظام الأسد، وصعود حكومة انتقالية جديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي كان مطلوبًا لدى واشنطن حتى وقت قريب.

 

إلغاء أوامر سابقة عمرها عقدان
بموجب القرار الجديد، تم إلغاء عدد من الأوامر التنفيذية السابقة التي شكّلت الإطار القانوني لعقوبات واشنطن على دمشق، ومنها الأوامر الصادرة بين عامي 2004 و2011، والتي استهدفت كبار مسؤولي النظام السوري، وأثرت بشدة على الاقتصاد السوري وأغلقت أمامه أبواب النظام المالي الدولي.

وأفاد نص القرار بأن الولايات المتحدة "تلتزم بدعم سوريا موحدة ومستقرة، لا تشكل تهديدًا لجيرانها، ولا تشكل ملاذًا للتنظيمات الإرهابية، وتضمن حقوق الأقليات العرقية والدينية"، مؤكدة أن "الظروف التي أدت إلى فرض العقوبات قد تغيرت جذريًا خلال الأشهر الستة الماضية".

 

الشرع من "قائمة المطلوبين" إلى "شريك شرعي"
التحول الدراماتيكي في السياسة الأمريكية تجاه سوريا تبلور عقب صعود أحمد الشرع إلى رئاسة الحكومة السورية الانتقالية. الشرع، الذي سبق أن عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، بات اليوم شريكًا تفاوضيًا رئيسيًا لواشنطن، وقد التقى بالرئيس ترامب شخصيًا في العاصمة السعودية الرياض الشهر الماضي.

في ذلك اللقاء، وفقًا لمصادر أمريكية، دعا ترامب الشرع إلى "اغتنام الفرصة التاريخية لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي"، وحثّه صراحة على "تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، وهو ما ألمح إليه الشرع لاحقًا بقوله إن "محادثات غير مباشرة قد بدأت مع الجانب الإسرائيلي بهدف تهدئة التوتر".

 

فرصة اقتصادية شاملة
من جهته، وصف توماس باراك، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، القرار الجديد بأنه "فرصة اقتصادية شاملة لإعادة تشغيل الاقتصاد السوري"، مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية "لا تسعى لبناء دولة، لكنها تتيح فرصة لسوريا كي تنهض بنفسها".

وفي السابع من يناير الماضي، منحت واشنطن إعفاءات مؤقتة من العقوبات لبعض الأنشطة الإنسانية والاقتصادية في سوريا، في خطوة تمهيدية لهذا القرار الأوسع، واستهدفت تسهيل إيصال الخدمات الأساسية للسكان في أعقاب انهيار النظام السابق.

 

واقع جديد في دمشق والمنطقة
يُعدّ القرار نقطة تحوّل في المشهد الإقليمي، حيث من المرجح أن يعيد تشكيل موازين القوى في سوريا، ويضعف من نفوذ إيران والجماعات التابعة لها. والتي لا تزال خاضعة للعقوبات الأمريكية.

كما أن الانفتاح الأمريكي تجاه الشرع يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران، لا سيما في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين في مناطق النفوذ المتنازع عليها في سوريا والعراق ولبنان.

وفي السياق ذاته، يراقب عدد من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا ومنطقة الخليج بقلق تطورات الموقف الجديد، وسط تساؤلات عن كيفية التعامل مع حكومة انتقالية يُنظر إليها دوليًا على أنها من بقايا الثورة السورية، بينما كان بعض رموزها مدرجين على لوائح الإرهاب.

 

عقوبات لا تزال قائمة
رغم رفع معظم العقوبات، فإن القرار أبقى على الإجراءات المشددة ضد بشار الأسد والمقربين منه، وكذلك على الكيانات المتورطة في تجارة الكبتاغون وعمليات تمويل وتسليح ميليشيات مرتبطة بإيران وتنظيم داعش.

ومن بين الجهات التي لا تزال على قوائم العقوبات: "حزب الله" اللبناني، وعدد من الشبكات اللوجستية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى قيادات جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) سابقًا، رغم تحوّلها المعلن إلى فصيل محلي غير مرتبط بتنظيم القاعدة منذ عام 2017.