شهدت أسعار الأدوية في مصر خلال السنوات الماضية ارتفاعات متتالية وكبيرة، وصلت إلى ما بين 80% و150% لبعض الأصناف الدوائية، خاصة منذ عام 2014، وهو العام الذي شهد تغييرات سياسية واقتصادية عميقة في البلاد.

نرضد في هذا التقرير مراحل زيادات أسعار الأدوية، أسبابها، وتأثيراتها على المواطنين والقطاع الصحي، مدعماً بالأرقام والتواريخ وأهم تصريحات المسؤولين.

في عهد الرئيس محمد مرسي (2012-2013)، كانت أسعار الأدوية مستقرة نسبياً، رغم بعض التحديات الاقتصادية، لكن مع تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الحكم في منتصف 2014، بدأت سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على أسعار الدواء، خاصة بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في نوفمبر 2016، وما تلاه من انخفاض حاد لقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.

 

مراحل زيادات أسعار الأدوية

  • 2016 أولى الزيادات الكبرى: في مايو 2016، قررت الحكومة رفع أسعار الأدوية التي كانت مسعرة بأقل من 30 جنيهاً بنسبة 20%، في محاولة لمواجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج.
  • 2017 تحرير سعر الصرف وارتفاع الأسعار: بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016، شهدت أسعار الأدوية زيادة متوسطة بين 30% و50% على أكثر من 3000 صنف دوائي دفعة واحدة، وهو ما وصفه مسؤولون بأنه كان ضرورياً لمواكبة ارتفاع تكاليف استيراد المواد الخام.
  • 2018-2023 زيادات متفرقة ومفاوضات طويلة: خلال هذه الفترة، استمرت أسعار الأدوية في الارتفاع تدريجياً بسبب تراجع قيمة الجنيه وارتفاع تكاليف الإنتاج والجمارك. استغرقت مفاوضات بين شركات الأدوية والحكومة نحو 47 شهراً انتهت بالموافقة على زيادة الأسعار مقابل توفير الأدوية في الأسواق.
  • 2024 زيادات جديدة في يونيو 2024: أعلنت هيئة الدواء المصرية عن زيادات جديدة في أسعار عدد من الأصناف، تراوحت بين 20-25% لأدوية الأمراض المزمنة، ووصلت إلى 50% للفيتامينات والمكملات الغذائية، على أن يتم تطبيقها مع الإنتاج الجديد بداية من أغسطس 2024.
  • 2024-2025 زيادات شهرية مستمرة: أكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية علي عوف أن هناك خطة لزيادة أسعار نحو 100 صنف دوائي شهرياً بشكل تدريجي حتى نهاية 2025، بهدف دعم مصانع الأدوية ومنع إغلاقها، داعياً المواطنين إلى استخدام بدائل أقل تكلفة بنفس الكفاءة.

 

أسباب الزيادات في الأسعار

تعددت الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأدوية في مصر، أبرزها:

  • تراجع قيمة الجنيه: انخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار من نحو 8.8 جنيهات قبل 2014 إلى أكثر من 47 جنيهاً في 2024، مما رفع تكلفة استيراد المواد الخام بنسبة تفوق 60%.
  • ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل: زيادة أسعار الكهرباء والغاز والمحروقات أثرت بشكل مباشر على تكلفة تصنيع الأدوية، وقد وصل عدد مصانع الأدوية المرخصة في مصر 191 مصنعاً، تمتلك 799 خط إنتاج، تغطي 92% من احتياجات السوق المحلي.
  • زيادة تكاليف الجمارك: فرضت الحكومة رسوم جمركية جديدة على المواد الخام والمستلزمات الطبية، ما زاد من الأعباء المالية على شركات الأدوية.
  • التضخم العام وارتفاع أسعار الفائدة: دفع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة على القروض المستثمرين إلى طلب زيادة الأسعار للحفاظ على استثماراتهم.
  • نقص المواد الخام: شح المخزون لدى الشركات المصنعة بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد، ما أدى إلى نقص في بعض الأصناف وارتفاع أسعارها.

 

تأثيرات الزيادات على السوق والمواطنين

  • ارتفاع أسعار الأدوية الأساسية: ارتفعت أسعار مضادات حيوية محلية بنسبة تصل إلى 100%، والمستوردة بنسبة 150%، كما تضاعفت أسعار علب لبن الأطفال من 80 إلى 220 جنيهاً، وارتفعت أسعار أدوية الضغط والسكري وقطرات العين والأنف.
  • نقص الأدوية في السوق: أدى ارتفاع الأسعار واحتكار بعض الشركات لكميات الأدوية إلى نقص في الصيدليات والمستشفيات، مما زاد من معاناة المرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة.

لكن خبراء الصحة يرون أن غياب الرقابة الحكومية الحقيقية على شركات الدواء هو السبب الرئيسي في هذه الفوضى السعرية.

ويقول الدكتور محمد سعودي، وكيل وزارة الصحة الأسبق لشؤون الصيدلة: "كان يمكن أن تلجأ الدولة إلى دعم المواد الخام أو تقليل الجمارك بدلاً من ترك الشركات تفرض زيادات عشوائية".

  • تراجع القدرة الشرائية: مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى، أصبح من الصعب على كثير من المواطنين تحمل تكلفة العلاج، ما دفع البعض للجوء إلى الأعشاب والأدوية الشعبية غير المراقبة.

أوضح الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة أن الزيادات بين 25-40% جاءت بسبب تحرير سعر الصرف وارتفاع سعر الدولار، وأن الهيئة تسمح بزيادة أسعار بعض الأصناف مع مراعاة البعد الاجتماعي.

تأثرت الطبقة المتوسطة والفقيرة بشكل مباشر من ارتفاع أسعار الدواء، ووفق تقرير صادر عن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مارس 2024، فإن إنفاق الأسر المصرية على الرعاية الصحية ارتفع بنسبة 32% مقارنة بعام 2020، ويعود أكثر من نصف هذه الزيادة إلى الأدوية.

ويقول أحمد عبد اللطيف، موظف حكومي من محافظة الشرقية: "كنت أشتري علاج الضغط بـ15 جنيهاً، الآن سعره 60 جنيهاً، وراتبي ثابت". هذه الشكوى تكررت على ألسنة آلاف المرضى، خصوصاً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

عبرت نقابة الصيادلة عن صدمتها من الزيادات الكبيرة، وأكدت أن الصيادلة يعانون من خسائر بسبب صعوبة الحصول على الأدوية، ويحاولون توضيح أن الأسعار الجديدة مفروضة من الشركات والجهات الرسمية وليس منهم.

بلغت زيادات أسعار أدوية مثل الإنسولين «ميكستار فيال» بنسبة 43%، وكبسولات أوميجا 3 بنسبة 36%، ودواء زوركال لعلاج ارتجاع المريء بنسبة 45%، بينما ارتفعت سعر علبة مضاد حيوي من 86 إلى 186 جنيهاً، ودواء كونكور للقلب من 40 إلى 60 جنيهاً.

وبرر الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء زيادة الأسعار بالحاجة إلى مواكبة ارتفاع تكلفة الإنتاج وشح المواد الخام، ووعد بأن تكون أدوية الأمراض المزمنة أقل الأصناف زيادة في الأسعار، مع الإشارة إلى أن نقص الأدوية ظاهرة عالمية لا تخص مصر فقط.

حجم مشتريات المصريين من الأدوية يقدر بنحو 150 مليار جنيه سنوياً، بينما تخصص الدولة نحو 18 مليار جنيه لدعم مشتريات المستشفيات العامة والتأمين الصحي في 2024-2025.

خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، كانت الحكومة تعمل على ضبط أسعار الدواء عبر التفاوض مع شركات الأدوية، واعتمدت سياسة تسعير ثابتة للدواء المحلي، ما ساهم في الحفاظ على استقرار نسبي رغم بعض التحديات.

في المقابل، بدأ عهد السيسي بسلسلة قرارات اقتصادية اعتُبرت كارثية على قطاع الصحة، أهمها تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، مما أدى إلى مضاعفة أسعار الأدوية تقريبًا خلال فترة قصيرة.