عاشت العاصمة القاهرة يومًا من الارتباك والشلل جراء حريق ضخم شب في سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز الاتصالات في البلاد.

لم يقتصر الأمر على تصاعد الدخان من أحد مباني وسط القاهرة، بل امتدت تداعيات الحريق لتكشف ضعفًا بنيويًا واسعًا في قطاعات حيوية شملت الاتصالات، الإنترنت، البورصة، الطيران، والمرافق المالية، بل وحتى رغيف الخبز المدعوم.

ورغم تعدد الروايات الرسمية بشأن أسباب الحريق وأعداد الضحايا، إلا أن ما بات مؤكدًا هو أن الحادث تجاوز نطاق الضرر المحدود ليصيب شرايين الدولة الحديثة في مقتل.

انهيار في الخدمات وتعطيل كامل لمظاهر الحياة اليومية
عقب اندلاع الحريق في الطابق السابع من مبنى سنترال رمسيس –المكون من عشرة طوابق– بدأت التأثيرات تتوالى: انقطعت خدمات الإنترنت، تعطلت شبكات المحمول، وخرجت أنظمة الدفع الإلكتروني عن الخدمة.

في جولة بمنطقة المقطم، كانت تداعيات الحريق واضحة. في سلسلة محلات تجارية مثل "كارفور"، و"مترو" و"سبينس"، أجبر العطل القائم العاملين على إبلاغ الزبائن بأن الدفع متاح نقدًا فقط، ما أدى إلى انسحاب جماعي وركود غير مسبوق.

كذلك، توقفت ماكينات الصراف الآلي (ATM) لبنوك الأهلي المصري، والعربي الإفريقي، وبنك الإسكندرية عن العمل بالكامل، بينما عملت بعض ماكينات بنك مصر ببطء شديد تسبب في تكدس المواطنين.

 

تضارب حكومي في الأرقام والتصريحات
في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الصحة عن وفاة 4 أشخاص وإصابة 27، أصدرت النيابة العامة بيانًا يتحدث عن 21 مصابًا فقط دون توضيح خطورة الإصابات.

وأعلنت النيابة فتح تحقيق موسع بشأن مدى الالتزام بإجراءات السلامة، فيما جرى انتداب الطب الشرعي للكشف على الجثامين.

لكن المفارقة الأكبر ظهرت في تصريحات الحكومة المتناقضة بشأن الأسباب الفنية لتعطل الإنترنت. فبينما أكد بيان رسمي لمجلس الوزراء أن الحريق هو السبب المباشر في توقف الخدمة، خرج وزير الشؤون النيابية المستشار محمود فوزي أمام البرلمان ليقول إن "قطع الاتصالات كان إجراءً وقائيًا واختياريًا"، لحماية السنترالات من أضرار أوسع.

 

مخابز دون شبكة... والمواطنون بلا خبز
وامتدت الكارثة إلى منظومة الخبز المدعم، إذ واجهت المخابز صعوبات في صرف الحصص اليومية للمواطنين بسبب انقطاع الشبكة الإلكترونية المعتمدة في إدارة الدعم.

خالد صبري، المتحدث باسم شعبة المخابز، أكد أن بعض أصحاب المخابز لم يكونوا على علم بانقطاع الشبكة، ما أخر استجابتهم وأدى لتوقف الخدمة.

وبينما اضطر أصحاب المخابز إلى شراء خطوط إنترنت يدوية للتغلب على الأزمة، أكد وزير التموين شريف فاروق لاحقًا أن المنظومة عادت للعمل بكفاءة منذ الخامسة صباحًا، وهو ما لم يؤكده المواطنون في عدة مناطق.

 

الإسكان والبنوك يتلقون الضربة
وفي قطاع الإسكان، تعطلت عمليات سداد الأقساط المستحقة لهيئة المجتمعات العمرانية نتيجة تعطل بوابات الدفع الإلكتروني. وقال مصدر مسؤول في وزارة الإسكان إن الأزمة عطلت أيضًا سداد العملاء والمطورين لمستحقاتهم لدى شركات التطوير العقاري والمقاولات، ما يهدد بتأخير تنفيذ عدد من المشروعات.

أما القطاع المصرفي، فقد اضطر البنك المركزي المصري إلى رفع الحد الأقصى للسحب النقدي اليومي إلى 500 ألف جنيه وتوسيع ساعات العمل في عدد من الفروع للتعامل مع تداعيات الحادث. وأرسل البنك الأهلي المصري رسائل اعتذار لعملائه قال فيها إن العمل جارٍ لاستعادة الخدمات في أسرع وقت.

 

البورصة والطيران... في مهب الأزمة
الحريق تسبب أيضًا في تعليق جلسة تداول البورصة، بينما أعلنت وزارة الطيران المدني عن تأخيرات "محدودة" في بعض الرحلات الجوية نتيجة تعطل أنظمة الاتصالات، وهو ما كذّبه لاحقًا عدد من المسافرين الذين اشتكوا من فوضى في المطار قبل أن تُغلق صفحة الوزارة على "فيسبوك" خاصية التعليقات على منشوراتها.

 

البرلمان يشتعل... استدعاء وزير الاتصالات
في الجلسة العامة للبرلمان، شن النائب ضياء الدين داود هجومًا حادًا على الحكومة، متهمًا إياها بالكذب على الشعب قائلاً: "هذه حكومة إضرام النيران.. متى يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم؟". وأعلن البرلمان استدعاء وزير الاتصالات عمرو طلعت لاجتماع عاجل للرد على البيانات العاجلة بشأن الحادث.

 

من ماس كهربائي إلى ماس وطني في البنية التحتية
التحقيقات الأولية أشارت إلى أن ماسًا كهربائيًا قد يكون السبب وراء الحريق، وهو سيناريو بات مألوفًا في منشآت الدولة، لكنه في هذه المرة لم يترك أثرًا على جدران السنترال فحسب، بل فضح هشاشة غير مسبوقة في البنية التحتية الرقمية للبلاد.