في ظل الفوضى المتزايدة في الشرق الأوسط، يشتد الصراع بين إسرائيل وتركيا، ما يُضيف توترًا جديدًا إلى منطقة تعاني أصلًا من الانقسام. رغم تاريخ سابق من التعاون، تدهورت العلاقات بين الطرفين إلى أدنى مستوياتها، واتسمت بالعداء، وانعدام الثقة، وحسابات صفرية. كل طرف يرى صعود الآخر في المنطقة تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا. ويتجلّى هذا التنافس حاليًا بشكل أوضح في سوريا، حيث ترى واشنطن فرصة لتخفيف التصعيد قبل أن يتحوّل إلى مواجهة علنية.

تعود العلاقات بين الطرفين إلى قرون مضت، حين شكّلت الأراضي العثمانية ملجأً لليهود الهاربين من الاضطهاد. وفي عام 1949، اعترفت تركيا بدولة إسرائيل، وكانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تفعل ذلك. خلال التسعينيات، شهدت العلاقات تطورًا كبيرًا؛ إذ أبرم الطرفان اتفاقيات تجارية وعسكرية، وشاركا في تدريبات مشتركة، وتبادلا التكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية. ما ميّز تلك المرحلة هو الثقة المتبادلة.

لكنّ الثقة انهارت اليوم. تتزايد مخاوف أنقرة من السياسات الإسرائيلية بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023، خاصة بسبب العمليات العسكرية الواسعة التي شملت تدمير غزة، ومعاناة الفلسطينيين، والصدام المفتوح مع إيران بدعم أمريكي. ترى تركيا في هذه التطورات، إضافة إلى تقارب إسرائيل مع اليونان وقبرص، وتدخلها في سوريا، نمطًا مقلقًا، ويخشى البعض في أنقرة أن تصبح تركيا الهدف المقبل بعد إيران.

في المقابل، تنظر إسرائيل بقلق إلى علاقات تركيا مع حركة حماس، وإلى إداناتها المستمرة للسياسات الإسرائيلية. تثير أنقرة انزعاج صناع القرار الإسرائيليين، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024، وتنامي نفوذ تركيا في سوريا، ما دفع إسرائيل إلى تصنيف تركيا كتهديد استراتيجي في إحدى الدراسات الرسمية.

يلجأ السياسيون في البلدين إلى استثمار هذا التوتر سياسيًا عبر تصوير الطرف الآخر كعدو لتحويل الأنظار عن التحديات الداخلية، وكسب تأييد قواعدهم الشعبية. يُفاقم هذا النهج الانقسام ويمنحه زخمًا إضافيًا.

يتساءل صناع القرار في الجانبين: كيف يمكن تقليص آثار السياسات الإقليمية للطرف الآخر؟ وهل حُكِم على العلاقة بالتناحر الدائم، أم ما زال بالإمكان بناء مسار أكثر تعاونًا؟

بالنسبة للولايات المتحدة، يُشكّل هذا الصراع بين حليفين إقليميين مصدر قلق لا يمكن تجاهله. في حال تصاعد التوتر، ستضطر واشنطن إلى التدخل، ما يُشتّت جهودها عن قضايا أخرى أكثر إلحاحًا. وإذا أرادت الإدارة الأمريكية تقليص وجودها في الشرق الأوسط، ودعم مسار استقرار سوريا بعد الأسد، فعليها التحرك مبكرًا لتجنّب صراع بالوكالة بين إسرائيل وتركيا.

ينبغي على واشنطن توجيه رسالة واضحة إلى قادة البلدين مفادها أن أمنهم طويل الأمد يتحقق بالتعاون، لا بالمنافسة، وأن هذا موقف أمريكي ثابت. يتمتع الرئيس دونالد ترامب، الذي يملك علاقات قوية مع الطرفين، بقدرة فريدة على إيصال هذه الرسالة.

سوريا تُعد نقطة انطلاق مناسبة، نظرًا لتضارب أولويات البلدين فيها. بينما تسعى تركيا إلى بناء دولة سورية مركزية قوية تمنع فراغًا أمنيًا أو تمددًا لحزب العمال الكردستاني، تُفضل إسرائيل بقاء سوريا ضعيفة ومجزأة يسهل احتواؤها. هذا التباين يفتح المجال أمام واشنطن لاحتواء الخلاف.

أظهر ترامب استعداده للعمل مع تركيا في الملف السوري، ورفع العقوبات عن سوريا، ما يضع واشنطن أقرب إلى رؤية أنقرة التي تركز على تعزيز قدرة سوريا على الحكم الذاتي والاستقرار. وربما لذلك حثّ ترامب نتنياهو خلال زيارة أبريل على التخفيف من حدة خلافاته مع تركيا بشأن سوريا.

تطرح تركيا رؤيتها لسوريا على أنها "دولة لا تشكّل تهديدًا لجيرانها"، وهي صيغة يمكن لواشنطن البناء عليها لتقريب وجهات النظر. كما أن هذه الرسالة تحمل تطمينًا لإسرائيل، وتُشير إلى نوايا أنقرة بعدم التصعيد.

استجابت السلطات السورية لهذا الخطاب، وسعت إلى تجنّب استفزاز إسرائيل أو التصعيد معها، رغم استمرار الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية. وتشير تقارير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل في المستقبل القريب، في ظل إعادة تقييم إسرائيل لعلاقاتها مع سوريا ولبنان بعد الحرب مع إيران.

تُظهر هذه التطورات أن تقاطعًا ممكنًا بين المصالح الإسرائيلية والتركية داخل سوريا بدأ يتشكّل. كما تؤكد أن واشنطن قادرة على دعم هذا المسار وتوجيهه نحو استقرار إقليمي أوسع.

قد يؤدي هذا الاستقرار في سوريا إلى إعادة ترتيب أكثر تعاونًا في الشرق الأوسط، يُمهّد لتقارب أوسع، وربما لحلم طال انتظاره: أمن جماعي إقليمي. مثل هذا السيناريو يخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية في بناء منطقة أقل توترًا، وأقل اعتمادًا على مواردها واهتمامها.

تشترك إسرائيل وتركيا في مصلحة حقيقية لتحسين العلاقات. وسوريا تُشكل نقطة بداية عملية. لا يعني هذا تجاوز جميع التحديات العميقة، كالعلاقات الشخصية المتوترة بين القادة أو استمرار الصراع الفلسطيني، لكنه يُزيل إحدى العقبات القابلة للاشتعال من جدول أعمال متوتر أصلًا. وقد تُسهم الولايات المتحدة في تغيير المشهد عبر تشجيع الطرفين على قيادة نموذج جديد من الحوار، ما يفتح الباب أمام فصل جديد في العلاقات بينهما.

https://carnegieendowment.org/emissary/2025/07/turkey-israel-syria-escalating-rivalry?lang=en