أعلن مجلس نواب الانقلاب المصري، في ختام دور الانعقاد الخامس للفصل التشريعي الثاني، عن حصيلة ضخمة من التشريعات بلغت 186 قانوناً أُقرت خلال 62 جلسة عامة، استغرقت 220 ساعة من العمل البرلماني، بالإضافة إلى آلاف الاجتماعات والطلبات المقدمة من النواب.
ورغم هذا النشاط التشريعي الكثيف، يبقى السؤال الأهم:
لماذا لا يشعر المواطن المصري بأي إنجاز حقيقي على أرض الواقع؟
ولماذا تثير بعض هذه القوانين جدلاً واسعاً في الشارع المصري؟
ولماذا يعمل البرلمان ضد مصالح المواطنين؟
أرقام ودلالات.. نشاط تشريعي غير مسبوق
خلال دور الانعقاد الخامس، أقر البرلمان 186 قانوناً، وناقش 2230 طلب إحاطة، ووافق على 63 اتفاقية دولية.
هذا الكم الهائل من التشريعات يُعد الأعلى منذ سنوات، ويعكس تسارعاً غير مسبوق في إصدار القوانين، بعضها يمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وأخرى تثير مخاوف واسعة بشأن الحقوق والحريات.
أبرز القوانين المثيرة للجدل
1. قانون الإجراءات الجنائية الجديد
يُعد قانون الإجراءات الجنائية الجديد من أكثر القوانين إثارة للجدل، إذ يتكون من 540 مادة، ويصفه البعض بـ"الدستور المصغر" نظراً لتأثيره العميق على حقوق الأفراد وحرياتهم، من أبرز ما تضمنه القانون:
- إجراء المحاكمات عن بُعد: استحداث نظام المحاكمات الافتراضية، حيث تُجرى المحاكمات عبر الإنترنت، ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية اعتبرت ذلك تقويضاً لضمانات المحاكمة العادلة.
- توسيع صلاحيات النيابة العسكرية: منح النيابة العسكرية اختصاصات النائب العام، ما اعتُبر "عسكرة" للعدالة.
- مراقبة الاتصالات: منح النيابة حق مراقبة المكالمات الهاتفية للمتهمين لمدة 30 يوماً قابلة للتجديد، دون سقف زمني واضح، وهو ما اعتبره خبراء تهديداً خطيراً للخصوصية.
- توسيع سلطات الضبط القضائي: شمل القانون توسيع الجهات المخولة باعتقال المواطنين، لتشمل عمد ومشايخ القرى ومندوبي الشرطة، ما يفتح الباب أمام انتهاكات واسعة.
2. قوانين اقتصادية واجتماعية
- رفع أسعار الخدمات: وافق البرلمان على تعديلات أدت إلى رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات، ما أثقل كاهل المواطن البسيط في ظل أزمة اقتصادية طاحنة.
- تسهيل بيع الجنسية: أقر البرلمان تعديلات تسمح ببيع الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة بنكية، وهو ما أثار مخاوف بشأن الهوية الوطنية.
- خصخصة المرافق العامة: تم تمرير قوانين تسمح بمشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل مرافق الدولة، مثل السكك الحديدية، ما أثار مخاوف من تدهور الخدمات وزيادة الأسعار.
3. قوانين مكافحة الإرهاب
- توسيع قوائم الإرهاب: أقر البرلمان تعديلات على قانون الكيانات الإرهابية، ما أدى إلى توسيع قوائم الممنوعين من السفر والتحفظ على الأموال، وسط انتقادات من منظمات حقوقية.
لماذا لا يشعر المواطن بأي إنجاز؟
رغم الكم الكبير من القوانين، يشعر المواطن المصري بأن البرلمان بعيد عن همومه اليومية. الأسباب متعددة:
- انفصال التشريعات عن الواقع: معظم القوانين الصادرة تخدم أهداف النظام أو المستثمرين، ولا تمس بشكل مباشر تحسين معيشة المواطن العادي.
- غياب الشفافية والمشاركة: لم تُجرَ مشاورات حقيقية مع المجتمع المدني أو النقابات حول القوانين المصيرية، وتم تجاهل الاعتراضات.
- تفاقم الأزمات الاقتصادية: ارتفاع الأسعار، تراجع قيمة الجنيه، وزيادة الديون، كلها عوامل جعلت المواطن يشعر بأن البرلمان يمرر سياسات تزيد من معاناته.
- مشاريع ضخمة بلا مردود: أنفقت الدولة مليارات الدولارات على مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة، في حين بقيت الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمواصلات تعاني من أزمات متكررة.
وصف حنفي جبالي، رئيس مجلس نواب الانقلاب قانون الإجراءات الجنائية بأنه "دستور مصر الثاني"، رغم الانتقادات الواسعة التي طالته.
أكدت منظمات حقوقية أن القانون الجديد يمثل تهديداً خطيراً للخصوصية ولحقوق المتهمين، ويفتح الباب أمام انتهاكات واسعة دون رقابة قضائية حقيقية.
أشار خبراء اقتصاديون إلى أن القوانين الاقتصادية الصادرة لا تصب في مصلحة المواطن، بل تزيد الأعباء عليه وتخدم مصالح فئات محددة.
لماذا يُتهم البرلمان بالعمل ضد المواطن؟
- تمرير القوانين دون مناقشة حقيقية: لم يرفض البرلمان أي قانون قدمته الحكومة، بل مررها جميعاً بسرعة لافتة، حتى تلك التي أثارت غضب الشارع.
- تجاهل المطالب الشعبية: لم يستجب البرلمان لمطالب تخفيف الأعباء عن المواطنين، بل أقر ضرائب جديدة ورفع أسعار الخدمات الأساسية.
- تحصين المسؤولين: وافق البرلمان على قوانين تمنح امتيازات واسعة لقادة الجيش وكبار المسؤولين، وتحصنهم من المساءلة القضائية، في حين تُشدد العقوبات على المواطنين.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن البرلمان المصري في دور انعقاده الخامس ركز على تمرير تشريعات تخدم السلطة وتزيد من قبضة الدولة على المجتمع، بينما بقي المواطن البسيط خارج دائرة الاهتمام، وبينما تُعلن الأرقام عن "إنجازات" تشريعية غير مسبوقة، يبقى الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمصريين شاهداً على اتساع الفجوة بين السلطة والشعب، ويطرح تساؤلات كبرى حول مستقبل العلاقة بين البرلمان والمواطن في مصر.