أشارت تقارير حديثة إلى انخراط الحكومة السورية المؤقتة في محادثات مع إسرائيل حول اتفاق أمني، يتضمّن مستقبل الجولان المحتل والمنطقة العازلة الإسرائيلية المُوسّعة. يفرض هذا التطور تدقيقًا حذرًا، خصوصًا أن أي اتفاق يجب أن يستند إلى الوضع القانوني الواضح للجولان، مع الاعتراف بكلفة الصراع الإنسانية على مدى عقود. تجاهل هذه الأسس يُقوّض القانون الدولي ويتجاوز صلاحيات حكومة انتقالية غير منتخبة.

يُعرّف القانون الدولي الجولان بصفته أرضًا سورية احتلتها إسرائيل في حرب 1967. دعا قرار مجلس الأمن 242 إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وهو ما أكدته قرارات لاحقة مثل القرار 338 لعام 1973، والقرار 497 لعام 1981، الذي اعتبر ضم إسرائيل للجولان "باطلًا ولاغيًا دون أي أثر قانوني دولي".

يُشكّل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وفرض قوانينها، وتوسيع المستوطنات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بما فيه اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل سكان الدولة المحتلة إلى الأراضي المحتلة.

وسّعت إسرائيل العام الماضي "منطقتها العازلة" داخل سوريا بذريعة الحفاظ على "الاستقرار"، لكنها فعليًا عمّقت تجزئة الأراضي السورية وكرّست الاحتلال، ما يمثل اعتداءً إضافيًا على السيادة السورية.
 

مأساة إنسانية مستمرة
أسفر احتلال الجولان عام 1967 عن تهجير نحو 130 ألف سوري قسرًا، لا يزال معظمهم وأحفادهم في الشتات محرومين من حقهم في العودة. تراكمت المعاناة بسبب مصادرة الممتلكات، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن النزوح، والحياة تحت سلطة نظام الأسد.

لا يمكن لأي اتفاق يتناول الجولان أن يتجاهل هذه الحقائق، أو يتغاضى عن الالتزامات القانونية المتعلقة بحقوق المهجّرين. أيضًا، تعاني الطائفة الدرزية المتبقية في الجولان، ويُقدَّر عدد أفرادها بأكثر من 20 ألفًا، من سياسات تمييز ممنهجة ومصادرة أراضٍ، فضلًا عن قيود صارمة على التواصل مع أقاربهم في سوريا.

تسببت هذه السياسات بعزل العائلات، ومنعت مشاركتهم في مناسبات أساسية مثل الجنازات أو حفلات الزواج، بل حتى الاتصال العادي. هذا الانتهاك لحقهم في الحياة الأسرية يمثل خرقًا فاضحًا لحقوق الإنسان الأساسية.
 

حدود لا يملك الانتقال تجاوزها
لا تملك الحكومة السورية المؤقتة – وهي كيان غير منتخب ولا يستند إلى تفويض دستوري – صلاحية إبرام اتفاق يُغيّر حدود البلاد. تُناط مثل هذه القرارات بحكومة شرعية منتخبة تعبّر عن إرادة الشعب. أي محاولة من سلطة انتقالية لإضفاء طابع رسمي على التنازل عن الأراضي المحتلة تُعد باطلة قانونيًا، ومخالفة للدستور السوري والمبادئ الدولية.

يحتاج الشعب السوري إلى الاستقرار، وإعادة الإعمار، والمصالحة بعد أكثر من عقد من الحرب، لكن لا ينبغي بناء مستقبل سوريا على صفقات سياسية تقايض السيادة مقابل اعتراف خارجي مؤقت أو مكاسب فئوية.

السيادة الإقليمية ليست هدية تفاوضية، بل ركيزة للدولة، ومحميّة بالقانون الدولي، ومرتبطة بكرامة وحقوق الشعب السوري.
 

الجولان.. قضية وطنية لا مساومة فيها
لا يزال الجولان أرضًا سورية محتلة، ولا يحق لأي سلطة انتقالية أن تقرر مصيره. معاناة المهجرين والدروز لا يجوز تجاهلها تحت شعارات "الاستقرار المؤقت" أو "الواقعية السياسية". يرفض القانون الدولي الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويكفل حق العودة للمهجّرين، وهذه المبادئ يجب أن ترشد أي مسار حقيقي نحو السلام والعدالة في سوريا.

على المجتمع الدولي، والسوريين من مختلف التوجهات والمناطق، اليقظة إزاء أي محاولة لتفريغ السيادة السورية من مضمونها. الجولان ليس ورقة تفاوضية أو وسيلة بقاء سياسي، بل قضية وطنية، وواجب قانوني، ورمز لحق سوريا في الكرامة والسيادة وتقرير المصير.

https://www.middleeasteye.net/opinion/syria-israel-talks-why-golan-heights-must-not-be-bargaining-chip