بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة في وقت متأخر أمس الخميس، وفي مشهد يعكس التناقض بين الأمل والخذلان، أفرجت الجهات الأمنية عن 18 شاباً من المشاركين في تظاهرات 20 أكتوبر 2023، التي خرجت نصرة لغزة وتضامناً مع القضية الفلسطينية. لكن خلف هذا الخبر، يبقى 155 شاباً آخرين خلف القضبان، معظمهم من طلاب الجامعات، يواجهون مصيراً غامضاً بعد أن تقرر استمرار حبسهم رغم توقف التحقيقات منذ أكثر من عشرة أشهر.
قرارات الحبس جاءت روتينية، بلا مراجعة حقيقية للملفات أو مراعاة للظروف الإنسانية، ما اعتبره حقوقيون استمراراً لنهج التنكيل، وتهديداً مباشراً لمستقبل هؤلاء الشباب الأكاديمي والمهني.
المعتقلون موزعون على 27 قضية منفصلة، أُعدت على خلفية التظاهرات التي عمّت 20 محافظة مصرية، ووجّهت إليهم نيابة أمن الدولة العليا تهماً ثقيلة، من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية، والتحريض على التظاهر، والمشاركة في تجمهر، وارتكاب أعمال تخريب.
ورغم أن التظاهرات كانت سلمية، وخرجت من رحم التضامن الإنساني مع شعب محاصر، فإن كثيراً من المشاركين وجدوا أنفسهم في مواجهة اتهامات لا تعكس دوافعهم، بل تعكس أزمة أعمق في فهم الحق في التعبير، وفي احترام صوت الشباب الذي اختار أن يقف إلى جانب العدالة.
مصير 155 معتقلاً
وبرزت تساؤلات حول مصير الـ 155 معتقلاً الآخرين ممن جرى توقيفهم بتهمة التعاطف مع غزة
وحققت نيابة أمن الدولة العليا أمس مع سيف الدين عادل (بكالوريوس هندسة، 24 عامًا) على ذمة القضية 3562 لسنة 2025 حصر أمن الدولة العليا، واتهمته بالانضمام لجماعة إرهابية، وأمرت بحبسه احتياطيًا لمدة 15 يومًا، بعد ضمه لقضية حُبس متهميها بعد تعليق بعضهم لافتات يعلنون فيها تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في غزة.
ألقي القبض على سيف من منزله يوم 13 مايو الماضي، وعلى مدار 21 يومًا لم تتمكن أسرته من التواصل معه أو معرفة سبب القبض عليه أو مكان احتجازه، بينما لم يتم البت في أي من الشكاوى المُرسلة إلى النائب العام بشأن القبض على سيف وإخفائه قسريًا.
ظهرت القضية 3562 لسنة 2025، بعد قيام عدد من المتضامنين بتعليق لافتات داعمة لفلسطين. وألقي القبض عليهم تباعًا، ومن بينهم المحامي سيف ممدوح والذي ألقي القبض عليه من مكتبه الواقع بالشارع نفسه الذي يقطن به سيف الدين عادل. وتجدر الإشارة إلى أن القضية تضم آخرين من أصدقاء المتهمين المشاركين في تعليق اللافتات الداعمة لفلسطين، كانوا ضمن مجموعة محادثات مغلقة (جروب) على تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب" دون أن يشاركوا في أي شيء.بذلك تصبح القضية المُتهم سيف عادل على ذمتها تضم 20 شخصًا، ألقي القبض عليهم في مايو الماضي، فيما لم يبدأ التحقيق معهم سوى في مطلع يونيو الجاري. وأودع جميع المتهمين على ذمة القضية ما بين مراكز"الإصلاح والتأهيل" في العاشر من رمضان 5 وبدر 1 وأبو زعبل.
ومنذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023، واستمرار الإبادة الجماعية الدائرة إلى الآن بحق الفلسطينيين هناك، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على 186 شخصًا موزعين على 16 قضية حصر أمن الدولة العليا، جميعهم متهمين بـ "الإرهاب"، وذلك على خلفية محاولتهم إبداء دعمهم بشكل سلمي للفلسطينيين في غزة، إما من خلال التظاهر أو رفع اللافتات، أو حتى الاشتراك في التبرع لجهود الإغاثة في غزة. وتطور الأمر مع القضية الأخيرة التي أصبح معها الحبس خطرًا لا يهدد أي من يبدي دعمه المعلن لغزة فحسب، بل أصبح خطرًا قد يصل أي من معارفهم أيضًا.
وتطالب المبادرة المصرية مجددًا النائب العام المستشار محمد شوقي بإخلاء السبيل الفوري لكافة المتهمين المقبوض عليهم تعسفيًا على خلفية إبداء دعمهم لفلسطين، وإسقاط كافة التهم الموجهة إليهم، وحفظ كافة القضايا المفتوحة بهذا الشأن إلى الآن. وتؤكد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على الالتزام الدستوري والقانوني لكافة السلطات المصرية بضمان وحماية حق جميع المصريين في التعبير عن رأيهم السياسي بكافة الأشكال السلمية، لإعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني أو التنديد بالجرائم الإسرائيلية في حرب الإبادة في غزة، وهو الأمر الذي من المفترض أنه يتماشى مع الموقف المصري الرسمي المعلن من القضية الفلسطينية.