في الوقت الذي يعيش فيه المصريون واحدة من أصعب المراحل الاقتصادية في تاريخهم الحديث، جاءت قرارات الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات في أكتوبر 2025، لتشعل موجة جديدة من الغلاء.
وعلى إثر ذلك، أعلنت المحافظات المصرية رفع تعريفة المواصلات بين 10% و15%، بحجة "تحقيق التوازن وضمان استمرار الخدمة".
لكن ما حدث فعلياً هو أن تكلفة الحياة ارتفعت من جديد، بينما اكتفت الحكومة بالتصريحات المطمئنة دون أن تقدم حلولاً عملية لحماية محدودي الدخل أو ضبط الأسواق، مما يكشف فشلاً حكومياً في إدارة آثار القرار وتجاهلاً لمعاناة المواطن البسيط.
زيادات متفاوتة في المحافظات
في القاهرة الكبرى، ارتفعت أجرة سيارات السرفيس والنقل العام والتاكسي الأبيض بنسبة تراوحت بين 10% و15%.
وفي بورسعيد، تم تعديل تسعيرة الأجرة لتتراوح بين 5 جنيهات للسرفيس داخل الأحياء وحتى 27 جنيهاً بين المناطق.
أما الأقصر، فطبقت زيادة قدرها 13%، بينما شهدت أسوان تعديلاً شاملاً في تعريفة السرفيس والتاكسي والتوك توك مع وعود برقابة مشددة.
وفي البحيرة والسويس، جرى اعتماد زيادات مماثلة، في وقت يعاني فيه المواطن من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما جعل حتى التنقل اليومي عبئاً إضافياً لا يحتمل.
الحكومة ترفع الأسعار وتترك المواطن وحيداً
ورغم أن الحكومة بررت القرار بأنه "ضرورة اقتصادية استجابة لارتفاع تكلفة الوقود"، فإنها فشلت في توفير أي آليات دعم أو تخفيف حقيقي للأعباء.
لم تُفعّل برامج حماية اجتماعية جديدة، ولم تُقدّم بدائل نقل ميسّرة للفقراء، بل اكتفت بالقول إن الزيادة "عادلة ومتوازنة".
لكن الحقيقة أن المواطن يتحمل وحده نتائج سياسات اقتصادية تفتقر للتخطيط والرؤية، في وقت أصبحت فيه الرواتب عاجزة عن مواكبة أبسط متطلبات الحياة اليومية.
غياب الرؤية الشاملة لإصلاح منظومة النقل
رفع تعريفة المواصلات دون تطوير وسائل النقل العام أو تحديث بنيتها التحتية يكشف غياب الرؤية الحكومية طويلة المدى.
فبدلاً من الاستثمار في مشروعات النقل الجماعي أو تشجيع وسائل النقل المستدامة مثل الدراجات والنقل الكهربائي، تكتفي الحكومة بمعالجة الأزمات بقرارات جزئية تزيد الوضع سوءاً.
إن غياب استراتيجية واضحة يترك المواطن فريسة بين مطرقة الغلاء وسندان ضعف الخدمات، ويؤكد أن السياسات الحالية تعتمد على الجباية لا الإصلاح.
ضعف الرقابة واستغلال الركاب
على الرغم من البيانات الرسمية التي تحذر السائقين من تجاوز التعريفة، فإن الرقابة الميدانية شبه غائبة.
ففي كثير من المحافظات، يفرض بعض السائقين أجوراً أعلى دون التزام بالزيادات المعلنة، بينما تعجز الجهات التنفيذية عن تطبيق القانون بفعالية.
هذا المشهد يعكس عجز الدولة عن ضبط أبسط الملفات الخدمية، ويؤكد أن القرارات الحكومية تظل حبراً على ورق طالما لا توجد آلية رقابية فعالة أو عقوبات رادعة.
تأثير القرار على الأسر الفقيرة
زيادة تعريفة المواصلات بعد ارتفاع أسعار الوقود تؤثر بشكل كبير على ميزانيات الأسر محدودة الدخل، التي تعاني بالفعل من قيود مالية صارمة.
غالبًا ما تشكل تكاليف النقل جزءًا هامًا من الإنفاق الشهري لهذه الأسر، ويتحمل معظم أفرادها التنقل باستخدام وسائل النقل العامة أو الخاصة منخفضة التكلفة.
زيادة أسعار المواصلات تعني أن الأسر ستحتاج لتخصيص جزء أكبر من دخلها لتغطية هذه النفقات، مما يقلص الدخل المتبقي لبنود أساسية أخرى مثل الغذاء والصحة والتعليم.
عندما ترتفع تكلفة النقل، يضطر الأسر إلى اتخاذ خيارات اقتصادية صعبة، مثل تقليل النفقات على الغذاء الصحي أو التعليم أو الخدمات الصحية، أو حتى تأجيل شراء ملابس واحتياجات أساسية أخرى.
هذا يسبب تراجعًا في مستوى المعيشة وقد يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية والتعليمية لأفراد الأسرة على المدى الطويل.
المصروفات المتزايدة على المواصلات تضغط أيضًا على الأسر التي تعتمد على تنقلات يومية للذهاب إلى العمل، مما يزيد من خطر البطالة أو تقليل فرص العمل المتاحة بسبب كلفة التنقل الأعلى.
المواطن يدفع الثمن دائماً
ما بين رفع أسعار الوقود وتعريفة المواصلات وتراجع الدعم، يعيش المواطن المصري تحت ضغط غير مسبوق، بينما تغيب عن الحكومة رؤية العدالة الاجتماعية والإصلاح الحقيقي.
إن القرارات الأخيرة ليست سوى إخفاق جديد في إدارة الاقتصاد، عنوانه العريض: تحميل المواطن الفاتورة.
ولن تتحقق أي نهضة اقتصادية حقيقية ما لم تضع الدولة الإنسان المصري في قلب سياساتها، وتكف عن اتخاذ القرارات التي تُعمّق الفقر بدل أن تُخففه.