بينما يروج الوسطاء والاحتلال لـ"هدوء كاذب" في غزة، تدور في الخفاء معركة حياة أو موت تحت رمال رفح. فقد كشفت حركة حماس عن انقطاع الاتصال الكامل بمجموعات من نخبة مقاتليها المحاصرين في شبكة أنفاق معقدة داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، وهي المنطقة العازلة التي يطبق جيش الاحتلال سيطرته عليها بالنيران والتكنولوجيا. هذا الملف الشائك، الذي طرحه وفد الحركة بقوة على طاولة المخابرات المصرية، لا يمثل مجرد أزمة إنسانية، بل هو قنبلة موقوتة قد تطيح باتفاق وقف إطلاق النار الهش وتدفع نحو جولة تصعيد جديدة أكثر دموية.

 

"الخط الأصفر": مقبرة الأحياء تحت الركام

 

تحولت المنطقة العازلة في رفح إلى ساحة استنزاف صامتة، حيث يواجه المقاتلون المحاصرون خيارات مستحيلة.

 

انقطاع الاتصال: أكدت حماس في بيانها الرسمي فقدان الاتصال بمجموعاتها القتالية (المقدر عددهم بالعشرات) منذ أسابيع، نتيجة التدمير المنهجي لشبكات الاتصال والإغلاق المحكم لمخارج الأنفاق من قبل قوات الاحتلال التي تستخدم تقنيات استشعار متطورة وخيانات ميدانية لرصدهم.

 

خيار "الاستسلام أو الموت": تمارس إسرائيل ضغوطاً نفسية وعسكرية هائلة، حيث عرضت عبر وسطاء ومناشير جوية "خروجاً آمناً" للمقاتلين مقابل تسليم سلاحهم والاستسلام، وهو ما رفضته القيادة الميدانية للقسام بشكل قاطع، معتبرة إياه "خيانة لدماء الشهداء"، ومفضلة المواجهة حتى الرمق الأخير رغم انقطاع الإمدادات.

 

لقاء القاهرة: محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

 

جاءت زيارة وفد حماس القيادي (برئاسة خليل الحية ومشاركة خالد مشعل) للقاهرة ولقاؤهم برئيس المخابرات الجديد حسن رشاد، كمحاولة أخيرة لفك شفرة هذه الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية.

 

مطالب حماس: ركز الوفد على ضرورة إيجاد "آلية إنسانية" عاجلة لفك الحصار عن المقاتلين أو تأمين انسحابهم دون شروط مذلة، محذراً من أن استمرار استفراد الاحتلال بهم سيُعتبر خرقاً جوهرياً للاتفاق يستوجب رداً عسكرياً شاملاً.

 

الخروقات الإسرائيلية: سلمت الحركة الجانب المصري ملفاً موثقاً بـ 497 خرقاً إسرائيلياً للهدنة، شملت عمليات قصف وتجريف وتغيير لخطوط التماس المتفق عليها، مؤكدة أن الصبر الاستراتيجي للمقاومة بدأ ينفد.

 

المرحلة الثانية: فخ "نزع السلاح" في ثوب الإعمار

 

بينما تنشغل المقاومة بإنقاذ رجالها، يضغط الأمريكيون والإسرائيليون لتسريع الانتقال لـ"المرحلة الثانية" من الاتفاق، والتي تحمل في طياتها "السم في العسل".

 

شروط مجحفة: تشترط هذه المرحلة "نزع سلاح المقاومة" وتسليم إدارة القطاع لقوة دولية أو هيئة حكم "تكنوقراط" منزوعة الأنياب، مقابل وعود فضفاضة بإعادة الإعمار وانسحاب شكلي للقوات الإسرائيلية، وهو ما تراه حماس "استسلاماً سياسياً" بعد الصمود العسكري.

 

ورقة الأسرى الأخيرة: تتمسك حماس بما تبقى لديها من جثث أسرى إسرائيليين (ثلاث جثث فقط) كورقة ضغط أخيرة لضمان عدم تصفية قضية المحاصرين، ورفض أي حديث عن نزع السلاح قبل ضمان انسحاب كامل وشامل للاحتلال.

 

رفح.. الاختبار الأخير للضمير والبارود

 

إن أزمة المقاتلين المحاصرين في أنفاق رفح هي اختبار حقيقي لجدية الوسطاء وقدرة المقاومة على المناورة في أضيق الهوامش. فإسرائيل تسعى لتحويلهم إلى "عبرة" لكسر الروح المعنوية لغزة، بينما تقاتل حماس لعدم ترك رجالها فريسة للموت البطيء. ومع استمرار الصمت الدولي والعجز العربي، يبدو أن الكلمة الفصل ستكون للرصاص مرة أخرى، فإما حل مشرف يحفظ كرامة المقاتلين، وإما انفجار كبير يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وينهي وهم "السلام" الذي يُبنى على جماجم المحاصرين.