فشل مجلس النواب المصري، أمس الاثنين، في الحصول على الموافقة النهائية على الحساب الختامي لموازنة الدولة عن السنة المالية 2023-2024، التي انتهى العمل بها في 30 يونيو من العام الماضي، والحسابات الملحقة للهيئات الاقتصادية والهيئة القومية للإنتاج الحربي، إلى جلسته المقررة غداً الثلاثاء، وسط اعتراضات على ارتفاع الدين العام خلال العام المالي الماضي.
وبلغت جملة الموارد الفعلية في موازنة 2023-2024 نحو 4.374 تريليونات جنيه، مقابل 3.078 تريليونات جنيه في موازنة 2022-2023 بنسبة نمو 42.1%، وبما يعادل 31.2% من الناتج المحلي الإجمالي. وزادت جملة المصروفات خلال عام من 2.184 تريليون جنيه إلى 3.055 تريليونات جنيه، مقسمة بواقع 512.694 مليار جنيه للأجور، و146.402 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات، و1.364 تريليون جنيه للفوائد، و573 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و147.262 مليار جنيه للمصروفات الأخرى، و311.737 مليار جنيه لشراء الأصول غير المالية (الاستثمارات)، و360 مليار جنيه لحيازة الأصول المحلية والأجنبية.
وبلغت جملة الإيرادات العامة للدولة نحو 2.543 تريليون جنيه، منها 1.628 تريليون جنيه للضرائب، و11.908 مليار جنيه للمنح، و902.782 مليار جنيه للإيرادات الأخرى. وسجل العجز الكلي في الحساب الختامي للموازنة نحو 504 مليارات جنيه، بفضل صفقة بيع أرض مدينة رأس الحكمة للإمارات، التي أدت إلى زيادة الإيرادات الأخرى بنحو 200%.
زيادة الدين العام
وخلال مناقشات الحساب الختامي للموازنة اليوم الاثنين، رفض النائب ضياء الدين داوود الحساب قائلاً: "الدين العام الحكومي زاد من 8.609 تريليونات جنيه إلى 11.457 تريليون جنيه بزيادة بلغت 2.848 تريليون جنيه، أي نحو 33.1% في عام واحد، بواقع 1.364 تريليون جنيه للفوائد و1.283 تريليون جنيه لأقساط القروض، بنسبة أعباء بلغت 60.3% من إجمالي الاستخدامات".
بدوره، قال النائب محمد عطية الفيومي إن "أعباء الدين من فوائد وأقساط ارتفعت إلى نحو 2.6 تريليون جنيه، بما يزيد على تريليون جنيه مقارنة بالعام المالي 2022-2023"، مشيراً إلى "ارتفاع حصة كل مصري من الديون إلى 105 آلاف جنيه تقريباً، بسبب سياسة الحكومة إزاء التوسع في الاقتراض من الخارج".
وقال النائب إيهاب منصور، ممثل الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي، إن "الحساب الختامي لموازنة 2023-2024 هو نتيجة سياسات اقتصادية فاشلة حملت المواطن المصري المزيد من المعاناة"، مستطرداً بأن "الاقتراض والدين هما كل ما تعرفه الحكومة الحالية. والحساب كشف عن عدم صرف تعويضات لأصحاب المباني التي نُزعت ملكيتها للمنفعة العامة، ما يمثل مخالفة دستورية يجب فتح التحقيق فيها".
والثلاثاء الماضي، قال رئيس وزراء السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي، إنّ "أكثر من 43% من مخصصات موازنة مصر العامة توجه لسداد خدمة (فوائد) الدين، وهو ما يؤثر سلباً على ارتفاع التضخم وزيادة أسعار الفائدة"، مؤكداً "ترحيب الحكومة بجميع الآراء والمقترحات الصادرة عن المختصين، سواء التقليدية أو غير التقليدية، للحد من ارتفاع الدين الإجمالي للدولة". وأضاف مدبولي، في اجتماعه الأول مع أعضاء اللجان الاستشارية المشكلة حديثاً لتعزيز التواصل بين الحكومة وخبراء القطاع الخاص، أنه "يجب التحرك بشكل جماعي من أجل خفض معدلات الدين الداخلي والخارجي، والنزول بمعدل التضخم إلى رقم أحادي بداية عام 2026".
عدم تحقق مستهدفات الإيرادات والمصروفات
ويرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أن نفقات فوائد الديون الحكومية الضخمة تغل يد صانع السياسة المالية عن التدخل لتحسين أحوال العاملين في الحكومة، والبالغ عددهم 4.5 مليون موظف، حيث أجلت الحكومة الحزمة الاجتماعية إلى العام المالي الجديد، والتي كان رئيس الوزراء قد أعلن عن تنفيذها خلال شهر رمضان الفائت، كما تتجه لخفض الدعم من خلال رفع أسعار المشتقات البترولية أكثر من مرة خلال العام الميلادي الحالي، إلى جانب رفع أسعار شرائح استهلاك الكهرباء خلال شهور قليلة، وكذلك رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية.
ويؤكد الولي أن بيانات النصف الأول من العام المالي الحالي والذي ينتهي آخر يونيو المقبل، تشير إلى انخفاض مخصصات دعم السلع التموينية، بنسبة 12 في المئة عما سبق الإعلان عن تخصيصه لها وقت الإعلان عن تفاصيل الموازنة، وعدم تحقق الأرقام التي أعلنت عنها الحكومة من استثمارات حكومية مع بداية العام المالي الحالي.
ويرجع ذلك أيضًا، وفقًا للخبير الاقتصادي، إلى سبب رئيس يتمثل في عدم تحقق الإيرادات التي توقعتها الحكومة للموازنة، حيث تشير المقارنة بين الأرقام التي جاءت بقانون الموازنة، وما تحقق خلال النصف الأول من العام المالي إلى تراجع قيمة الإيرادات بنسبة 19 في المئة، وشمل الانخفاض الحصيلة الضريبية بنسبة 10 في المئة، والإيرادات غير الضريبية من عوائد الجهات المملوكة للحكومة بنسبة 51 في المئة، مما اضطر صانع السياسة المالية إلى خفض مجمل المصروفات بنسبة 9 في المئة عما تم الإعلان عنه، وبلغت نسبة التراجع 12 في المئة في مخصصات الدعم، وزادت نسبة التراجع إلى 63 في المئة في الاستثمارات الحكومية المعنية في الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات مياه الشرب والصرف الصحي.
ويذهب الولي إلى أن الحكومة، ستجد لنفسها مخرجًا، كالعادة، فبدلا من أن تقارن ما تحقق بما جاء في قانون الموازنة من إيرادات ومصروفات، راحت تقارن بين نتائج النصف الأول من العام المالي ونفس الفترة من العام المالي السابق، والتي من الطبيعي أن ترتفع أرقامها في ظل نسبة تضخم بلغت 23 في المئة بشهر ديسمبر الماضي، وبما يعني على سبيل المثال أنه عندما تشترى الحكومة مستلزمات أداء عملها من مطبوعات وعدد وأدوات وصيانة، فمن الطبيعي أن تزيد التكلفة على الأقل بنسبة التضخم المعلنة، بينما كانت الزيادة في المخصصات لشراء السلع والخدمات 19 في المئة، أي أقل من نسبة التضخم الرسمية، والتي لا تجد قبولا لدى كثير من المتخصصين الذين يرون النسبة الحقيقية للتضخم أعلى من ذلك.