تشهد مدينة الفاشر – آخر قلاع الجيش السوداني في إقليم دارفور – واحدة من أعنف الهجمات منذ اندلاع الحرب، وسط مؤشرات متزايدة على تورط قوى إقليمية، على رأسها الإمارات، في دعم ميليشيا الدعم السريع التي تسعى لحسم معركتها الأخيرة بالدمار الكامل.
هجوم واسع واختراق فاشل
منذ فجر الأحد 30 يونيو وحتى اليوم الأربعاء، اندلعت اشتباكات ضارية إثر هجوم شامل شنّته قوات الدعم السريع على المحاور الشرقية لمدينة الفاشر، في محاولة واضحة لاختراق خطوط الجيش السوداني والقوات المتحالفة من حركات الكفاح المسلح.
مصادر عسكرية أكدت أن الهجوم سبقته موجة قصف مدفعي وجوي استهدفت أحياء مدنية، بينها حي "أبو شوك" ومخيمات نازحين، ما أدى إلى موجة نزوح داخلية ودمار واسع في البنى التحتية.
لكن الجيش، مدعومًا بقوات "القوة المشتركة"، تصدى للهجوم باستخدام المدفعية الثقيلة والأسلحة المتوسطة، وتمكن من تدمير عدة آليات ومخازن ذخيرة، بحسب ما أفاد العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث باسم القوة المشتركة، مشددًا على أن "الفاشر خط أحمر ولن تُسلّم إلا على أجسادنا".
حصار خانق وكارثة إنسانية تتفاقم
بموازاة التصعيد العسكري، يعيش سكان المدينة والمخيمات المحيطة بها أوضاعًا كارثية تحت حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع منذ أسابيع. نقص حاد في الغذاء، شح في المياه، وانعدام تام للرعاية الطبية، خاصة بعد استهداف المرافق الصحية في محيط المخيمات.
الناشط الإغاثي محمد آدم وصف الوضع في مخيم أبو شوك بـ"الكارثة الكبرى"، مشيرًا إلى استحالة إجلاء الجرحى أو إدخال مساعدات، في ظل غياب ممرات إنسانية. وأكد أن عشرات القذائف سقطت على المخيم في الأيام الماضية، مسببة خسائر بشرية ومادية جسيمة.
الهدنة الأممية تُجهض قبل أن تولد
قبل يوم واحد فقط من اندلاع الهجوم، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى هدنة إنسانية مؤقتة، بعد اتصاله برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. وعبّر غوتيريش عن دعمه لترشيح كامل إدريس لرئاسة الحكومة المدنية، معتبرًا ذلك خطوة نحو المسار الانتقالي.
لكن ميليشيا الدعم السريع، وفي تحدٍ صارخ للمجتمع الدولي، لم تكتف برفض الهدنة، بل شنت هجومها بعد ساعات من الإعلان الأممي، ووصفت المقترحات بأنها "غطاء لإدخال السلاح للجيش المحاصر"، وفق تصريحات المستشار الباشا طبيق، أحد أبرز رموز الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي.
الإمارات.. الراعي الخفي في معركة دارفور
رغم الطابع المحلي الظاهري للصراع، تتجه أصابع الاتهام مجددًا إلى الإمارات بوصفها الداعم الأبرز لميليشيا الدعم السريع. وتشير تقارير ميدانية إلى استخدام الطائرات المسيّرة صينية الصنع، التي سبق توثيق شرائها بتمويل إماراتي، في الهجوم الأخير على الفاشر.
منظمات دولية كـ"هيومن رايتس ووتش" حمّلت أبوظبي مسؤولية تأجيج الحرب عبر الدعم اللوجستي لقوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في انتهاك مباشر لحظر توريد الأسلحة إلى مناطق النزاع. كما أكدت مصادر استخباراتية غربية أن الطائرات بدون طيار المستخدمة في قصف أحياء الفاشر انطلقت من قواعد إمداد لوجستي يشتبه في إدارتها من الأراضي الليبية بدعم إماراتي.