شهد ملف حقوق الإنسان توتراً متزايداً، عقب الإعلان عن وفاة المعتقل السياسي محمد السعيد شمعون بعد 48 ساعة فقط من خروجه من مقر الأمن الوطني بالمنصورة، في ظل اتهامات متصاعدة لوزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني بالإهمال الطبي المتعمّد والإخفاء القسري.
هذه الواقعة فجّرت موجة غضب واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية، خصوصاً بعدما تزامنت مع إصدار النيابة العامة بياناً بشأن إخلاء سبيل 38 محبوساً احتياطياً، دون الكشف عن أسمائهم، وهو ما اعتبره المحامون "تعتيماً متعمداً" يقوّض حق الدفاع.
وفاة مأساوية بعد رحلة اعتقال طويلة
كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن شمعون (50 عاماً)، من قرية منية محلة دمنة بمحافظة الدقهلية، ظلّ محتجزاً بشكل غير قانوني داخل مقر الأمن الوطني منذ يوليو الماضي، رغم صدور قرار قضائي بإخلاء سبيله بعد انقضاء فترة سجنه المشدد البالغة عشر سنوات في القضية المعروفة إعلامياً بـ"خلية السويس".
ورغم تدهور حالته الصحية الخطيرة، التي شملت فشلاً كبدياً وتسمماً دموياً ونزيفاً داخلياً متكرراً، امتنعت السلطات عن الإفراج عنه، قبل أن تُطلق سراحه يوم الجمعة الماضي في حالة صحية حرجة، ما دفع أسرته لنقله مباشرة إلى مستشفى المنصورة الدولي حيث فارق الحياة مساء الأحد.
وحملت الشبكة وزارة الداخلية والأمن الوطني المسؤولية المباشرة عن وفاته، مؤكدة أن ما تعرض له يمثل نمطاً متكرراً من الانتهاكات داخل السجون حيث يُستخدم الحرمان من العلاج كأداة عقاب تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة. وطالبت بفتح تحقيق قضائي مستقل وشفاف لمحاسبة المسؤولين.
انتهاكات تطال قاصرين ومسنين
لم تتوقف التقارير الحقوقية عند واقعة شمعون، بل سلطت الضوء على حالات أخرى، منها الطفل محمد خالد جمعة عبد العزيز (15 عاماً) الذي اعتُقل في فبراير الماضي واختفى قسرياً لشهر كامل، قبل أن يظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا بتهم "اعتناق أفكار داعشية". الشبكة أوضحت أن الطفل يعيش حالة انهيار نفسي حاد نتيجة ظروف احتجازه القاسية وحرمانه من التعليم والأسرة، خاصة بعد وفاة والده قبيل اعتقاله بثلاثة أشهر.
كما وثقت منظمة هيومن رايتس إيجيبت حالة الدكتور محمد سعد عليوة (70 عاماً)، رئيس قسم المسالك البولية بمستشفى بولاق الدكرور، المعتقل منذ 2015، والذي دخل في إضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف حبسه في سجن بدر. المنظمة أشارت إلى أن عليوة يعاني غيبوبات سكر متكررة دون أي رعاية طبية، في وقت يُحرم فيه من التعرض للشمس أو الزيارات العائلية، ما جعل وضعه الصحي في مرحلة حرجة للغاية.
"سجون بدر".. بين الدعاية والواقع
في الذكرى الرابعة لافتتاح مجمع بدر الأمني، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريراً موسعاً بعنوان "بين الدعاية والحقيقة"، وثّقت فيه ما وصفته بـ"الفجوة الهائلة" بين الرواية الرسمية التي تصف السجون الجديدة بـ"النموذجية"، وبين شهادات المحتجزين وعائلاتهم.
التقرير رصد أنماطاً جديدة من العنف المؤسسي مثل المراقبة الدائمة، واستخدام الإضاءة والإغلاق الإلكتروني كوسائل عقاب، إضافة إلى الحرمان من التريض والزيارة والعلاج، ما اعتبرته المبادرة سياسة ممنهجة لتقييد السجناء وإضعافهم بدنياً ونفسياً.
قرارات إفراج غامضة وغضب المحامين
وفي موازاة هذه التطورات، أثار بيان النيابة العامة بشأن إخلاء سبيل 38 محبوساً احتياطياً موجة من الجدل والغضب، بعد أن امتنعت النيابة عن نشر أسماء المفرج عنهم. المحامون اعتبروا أن هذا التعتيم يقوّض حق الدفاع ويضعهم أمام صعوبات كبيرة في متابعة ملفات موكليهم.
المحامي الحقوقي مختار منير كتب عبر صفحته على فيسبوك أن "منع المحامين من معرفة أسماء من شملهم القرار يضرب جوهر حق الدفاع"، مطالباً ببيان رسمي يوضح الأسماء. بينما حاول المحامي محمد عبد العزيز التوازن في تعليقه، مرحباً بالقرار لكنه دعا إلى "الاستمرار في مراجعة ملفات المحبوسين احتياطياً وإعلان الأسماء للشفافية". أما المحامي خالد المصري فعبّر عن استيائه قائلاً: "للاسف لا نعرف اسماء من تم إخلاء سبيلهم وذكرت في بوست سابق أن المعلومة أصبحت غير متاحة بالنسبة لنا وحتي لو معنا الاسماء نحن ممنوعين اصلا من النشر .. ارجوكم لا احد يسألني على الخاص ولا الواتس ولا بالاتصال والله لا نعرف الاسماء".