في خطوة لافتة تعكس اهتمامًا متزايدًا من الجانب الهندي بالسوق المصري، كشفت وزارة التجارة والصناعة بحكومة الانقلاب المصرية، في نهاية يونيو 2025، عن عزم خمس شركات هندية ضخ استثمارات جديدة في مصر تُقدّر بنحو 300 مليون دولار، موزعة على ثلاثة قطاعات استراتيجية هي: الأجهزة الكهربائية، والبتروكيماويات، والصناعات الغذائية.

بحسب تصريحات خالد أبو المكارم، رئيس مجلس الأعمال المصري الهندي، فإن الشركات الخمس تستهدف دخول السوق المصرية أو توسيع نشاطها فيها بإجمالي استثمارات تتجاوز 300 مليون دولار.

تتركز هذه الاستثمارات في قطاعات الأجهزة الكهربائية، البتروكيماويات، والصناعات الغذائية، وهي قطاعات حيوية تعكس اهتمام المستثمرين الهنود بتعزيز حضورهم في السوق المصرية.

وتأتي هذه الاستثمارات ضمن خطط توسعية تسعى الهند من خلالها لتعزيز وجودها في شمال أفريقيا، في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري أزمات متلاحقة أبرزها شح النقد الأجنبي وارتفاع معدلات التضخم.

وبحسب البيان الرسمي للوزارة، جاءت هذه التطورات عقب لقاء جمع وزيرة التجارة والصناعة المصرية، د. مرفت حلمي، بوفد من المستثمرين الهنود الذين زاروا القاهرة نهاية يونيو، حيث تم عرض الفرص الاستثمارية والتسهيلات المقدمة من الدولة المصرية.

 

لماذا راهنت الهند على مصر رغم هشاشة الاقتصاد؟

قد تبدو هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر بالنظر إلى أداء الاقتصاد المصري المتعثر خلال السنوات الماضية، لكنّ محللين يرون أن الشركات الهندية تعتمد على رؤية استراتيجية طويلة المدى، فمصر، رغم أزمتها الاقتصادية الحالية، لا تزال تمثل بوابة إلى سوق أوسع يشمل أفريقيا والشرق الأوسط، فضلًا عن موقعها الجغرافي الحيوي.

وفي تصريح له نشرته صحيفة "ذا إيكونوميك تايمز" الهندية بتاريخ 2 يوليو 2025، قال راجيف مالهوترا، مدير شركة "إلكترا تك" الهندية المهتمة بإنتاج الأجهزة الكهربائية:

"نحن ندرك التحديات الاقتصادية في مصر، لكننا نرى أن هذه الفترة هي الوقت الأنسب للدخول؛ لأننا نحصل على امتيازات وتسهيلات قد لا تكون متاحة لاحقًا".

وأضاف أن شركته تخطط لتأسيس مصنع في مدينة العاشر من رمضان بتمويل أولي قدره 70 مليون دولار، وتستهدف تصدير نصف إنتاجها للأسواق الإقليمية.

 

لماذا تستثمر شركات الأجهزة الكهربائية والبتروكيماويات والأغذية في مصر؟

رغم التحديات الاقتصادية، هناك عدة عوامل تجعل السوق المصرية جاذبة لهذه القطاعات:

  • موقع استراتيجي: مصر تقع عند ملتقى طرق التجارة بين أفريقيا، آسيا، وأوروبا، مما يسهل تصدير المنتجات إلى أسواق متعددة.
  • حجم السوق المحلي: مصر تعد من أكبر الأسواق في المنطقة بعدد سكان يزيد عن 110 ملايين نسمة، ما يوفر قاعدة استهلاكية كبيرة.
  • تكلفة العمالة والتشغيل: تعتبر مصر من الدول ذات التكلفة التنافسية في العمالة مقارنة بدول أخرى، ما يقلل من تكاليف الإنتاج.
  • الإصلاحات الحكومية: هناك تحفيزات وإجراءات لتسهيل الاستثمار الأجنبي، خاصة في قطاعات استراتيجية مثل البتروكيماويات والصناعات الكهربائية.
  • الطلب المتزايد: قطاعات الأجهزة الكهربائية والأغذية تشهد طلباً متزايداً محلياً وإقليمياً، مما يجعل الاستثمار فيها مجدياً.
  • خطط التوسع: بعض الشركات الهندية العاملة في البتروكيماويات والبلاستيك تدرس حالياً توسيع نشاطها في مصر، متوقعة الانتهاء من خطط التوسع بنهاية 2025.

 

ثلاث قطاعات.. التحديات والفرص

قطاع الأجهزة الكهربائية

يُعد هذا القطاع من أكثر القطاعات جذبًا للاستثمار في مصر، خاصة بعد خروج شركات كبرى مثل سامسونغ وإل جي من السوق أو تقليصها لحجم أعمالها نتيجة نقص الدولار وصعوبات الاستيراد، ويرى المستثمرون الهنود أن هذا الانسحاب خلق "فراغًا" يمكن ملؤه بمنتجات محلية الصنع.

قطاع البتروكيماويات

أما قطاع البتروكيماويات، فيحظى باهتمام خاص بسبب توفر المواد الخام محليًا، رغم التحديات المرتبطة بالطاقة وتمويل المشروعات.

وتعتزم شركة "شاندرا كيم" الهندية ضخ استثمارات بـ120  مليون دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإقامة مصنع لإنتاج المواد الوسيطة الداخلة في الصناعات البلاستيكية.

قطاع الصناعات الغذائية

أما في مجال الصناعات الغذائية، فرأت الشركات الهندية أن الطلب المحلي المرتفع وتوجه الحكومة نحو إحلال الواردات بمنتجات محلية يوفر بيئة مناسبة للاستثمار.

وأعلنت شركة "أغروماكس" أنها ستضخ نحو 40 مليون دولار لإقامة مصنع لتعبئة وتغليف البقوليات والتوابل وتصديرها للأسواق الأوروبية.

 

الاقتصاد المصري.. هل منقذ في الأفق؟

رغم الأهمية الرمزية والاقتصادية لهذه الاستثمارات، يرى خبراء الاقتصاد أنها لن تكون كافية لإنعاش اقتصاد مأزوم ما لم تُعالج جذور الأزمة الهيكلية، فقد بلغ عجز الميزان التجاري المصري 46 مليار دولار في 2024، كما يعاني البنك المركزي من انخفاض في الاحتياطي النقدي رغم الدعم الخليجي وصندوق النقد الدولي، الذي أقر في مارس 2024 حزمة تمويلية بقيمة 8 مليارات دولار، تُصرف على مراحل مقابل التزامات إصلاحية.

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي هاني جنينة، في تصريحات صحفية في 3 يوليو: "الاستثمارات الهندية مهمة، لكن يجب النظر إليها في إطار أوسع، فالمناخ الاستثماري ما زال محفوفًا بالمخاطر بسبب صعوبة تحويل الأرباح للخارج، وضعف البنية التحتية القانونية، والبيروقراطية المتفشية."

 

تصريحات سياسية تبعث رسائل طمأنة

في محاولة لطمأنة المستثمرين، صرّح رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، خلال منتدى الاستثمار المصري الهندي الذي عقد في القاهرة في 30 يونيو، بأن الحكومة المصرية ملتزمة بتقديم كافة التسهيلات وحل مشكلات المستثمرين بشكل عاجل، قائلاً: "نحن على وعي بحجم التحديات التي تواجه المستثمر الأجنبي، وقد شكلنا لجنة وزارية لحل النزاعات الاستثمارية خلال أسبوعين كحد أقصى، ومصر تستهدف رفع حجم الاستثمارات الهندية من 700 مليون دولار حاليًا إلى 2 مليار دولار بحلول عام 2027، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية.

 

الرهان الهندي.. مخاطرة محسوبة أم مغامرة متهورة؟

في النهاية، تمثل الاستثمارات الهندية الجديدة اختبارًا لقدرة مصر على استعادة الثقة الدولية في مناخها الاستثماري، خصوصًا في ظل تراجع ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بلغت فقط 4.8 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ9 مليارات في 2021.

ويبقى السؤال: هل تستطيع هذه الشركات أن تصمد في بيئة اقتصادية هشة أم ستلتحق بسابقاتها التي غادرت تحت وطأة الأزمات؟
الجواب قد تحدده الأسابيع والأشهر المقبلة، مع بدء تنفيذ هذه المشروعات ومواجهة الواقع الاقتصادي المصري بكل ما فيه من تعقيدات.