أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية رفضها القاطع لمشروع تعديل قانون التعليم الجديد، الذي أحيل إلى مجلس النواب قبل أيام قليلة من اختتام دور الانعقاد الحالي، وذلك في غياب ما وصفته بـ"الحوار المجتمعي الجاد والدراسة المتأنية لتداعياته الاقتصادية والاجتماعية على ملايين الأسر المصرية"، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين الحقوقيين والتربويين وأولياء الأمور.

ويُناقش مجلس النواب، مشروع تعديل قانون التعليم الذي وافقت عليه لجنة التعليم والبحث العلمي، وسط وعود من رئيس المجلس، حنفي جبالي، بإعادة صياغة بعض المواد التي أثارت تخوفات النواب، واصفًا تلك التخوفات بأنها ناتجة عن "عيوب في الصياغة".

غير أن المبادرة المصرية وصفت المشروع بأنه محاولة لتقنين تمييز طبقي ممنهج في قطاع التعليم، معتبرة أن التعديلات المقترحة تكرّس اللامساواة، وتفتح الباب أمام خصخصة التعليم تدريجيًا، من خلال فرض رسوم إضافية على مراحل دراسية وخدمات يُفترض أن تكون مجانية بحكم الدستور.

 

الرسوم التعليمية.. عبء جديد على كاهل الأسر
يتضمن مشروع القانون تعديل 17 مادة وإضافة عدد من النصوص الجديدة، من بينها ما يسمح لرئيس مجلس الوزراء بإنشاء نظم تعليمية وبرامج دراسية تعادل شهادة الثانوية العامة أو الفنية، على أن يتم تحصيل رسوم لا تتجاوز 1000 جنيه، مع رسوم إضافية لإعادة الامتحانات تصل إلى 500 جنيه للمادة الواحدة، ويمكن مضاعفتها ضمن سقف معين.

كما فرض مشروع القانون رسومًا على إعادة الدراسة في حالة الرسوب، لا تقل عن 200 جنيه ولا تتجاوز 2000 جنيه، إضافة إلى مصاريف على امتحانات التقييم في التعليم التكنولوجي، يحددها وزير التعليم وتصل إلى 200 جنيه.

ووصفت المبادرة هذه الإجراءات بأنها "مخالفة جوهرية لروح الدستور المصري"، الذي ينص في مادته الـ19 على مجانية التعليم في جميع مراحله، والتزام الدولة بتوفيره بجودة عالية، وتخصيص 4% من الناتج القومي الإجمالي للتعليم قبل الجامعي و2% للتعليم الجامعي، وهي نسب لم تُطبق فعليًا حتى الآن، حسبما أكدت المبادرة.

 

فوارق طبقية مقلقة
واستندت المبادرة إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي كشفت أن العُشر الأعلى من الأسر المصرية من حيث الدخل، ينفق على التعليم أكثر من 22 ضعفًا مما ينفقه العُشر الأدنى، في إشارة واضحة إلى اختلال عدالة توزيع الفرص التعليمية.

وأوضحت أن فرض رسوم إضافية على إعادة الامتحانات أو الالتحاق ببرامج دراسية جديدة "يحصر هذه الخيارات في فئات محددة من المجتمع، قادرة على تحمّل التكلفة"، مما يعمق الفجوة الطبقية في التعليم ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.

 

تعديل مثير للجدل في مادة "الدين"
ومن أبرز التعديلات التي أثارت تحفظات واسعة، رفع الحد الأدنى للنجاح في مادة التربية الدينية من 50% إلى 70%. واعتبرت المبادرة هذا التعديل مخالفًا للمادة 19 من الدستور، والتي تنص على أن من أهداف التعليم "إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز".

وأكدت أن طريقة تدريس مادة التربية الدينية في المدارس "تعزز التفرقة والفرز الطائفي"، وأن التعديل الجديد قد يفتح الباب لزيادة الاعتماد على الدروس الخصوصية في هذه المادة، ما يفاقم الأعباء المالية على الأسر، ويفتح سوقًا جديدة لاستغلال أولياء الأمور.

 

إصلاح أم خصخصة مغلّفة؟
من جهة أخرى، كانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت في أغسطس الماضي عن نظام جديد للثانوية العامة، تم بموجبه تقليص عدد المواد إلى خمس فقط في كل شعبة، اعتبارًا من العام الدراسي 2024-2025. ورغم تسويق هذه الخطوة على أنها "تطوير"، إلا أن المبادرة رأت أنها جزء من توجه أوسع لخصخصة التعليم تدريجيًا، وحرمان الطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية متواضعة من فرص تعليمية عادلة.

 

دعوة لوقف التعديلات وإعادة الحوار المجتمعي
طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بوقف مناقشة التعديلات وإعادتها لحوار مجتمعي حقيقي وشامل يضم كافة الأطراف المعنية، من خبراء التعليم والحقوقيين إلى ممثلي أولياء الأمور والطلاب، مؤكدة أن "التعليم ليس سلعة، بل حق إنساني ودستوري يجب أن تكفله الدولة للجميع دون تمييز أو شروط".