في مشهد يختزل المأساة الاجتماعية والحقوقية، لا تزال تداعيات القانون رقم 73 لسنة 2021، المعروف بـ«قانون فصل الموظفين متعاطي المخدرات»، تحصد ضحايا جدد من العاملين في الجهاز الإداري للدولة، الذين واجهوا الفصل التعسفي، والسجن، ووصمة اجتماعية لا تُمحى، رغم غياب الإجراءات القانونية السليمة التي يقرها نفس القانون.

 

من مؤتمر إلى الزنزانة
في يونيو الماضي، جددت محكمة جنايات بدر حبس أربعة موظفين تم القبض عليهم في أكتوبر 2024، بعد مشاركتهم في مؤتمر نظمه حزب المحافظين لعرض مظلمتهم جراء فصلهم.

وبحسب المحامي إسلام أسامة من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، فإن الموظفين يواجهون تهمًا تمس الأمن القومي، مثل "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة"، رغم أن تحركهم كان لمجرد الاعتراض على فصلهم من العمل.

 

قانون التقشف المقنّع؟
القانون الذي وقّع عليه عبد الفتاح السيسي في يوليو 2021، دخل حيز التنفيذ مطلع 2022. يهدف رسميًا إلى تطهير الجهاز الإداري من متعاطي المخدرات، لكن منتقديه يرونه أداة تقشفية لتقليص عدد العاملين بالدولة تحت مظلة الالتزام بشروط صندوق النقد الدولي، كما قالت فاطمة فؤاد، مسؤولة العمال بحزب المحافظين.

 

أرقام غائبة وأُسر منهارة
رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على تنفيذ القانون، لم تصدر الحكومة أي إحصاءات رسمية حول أعداد المفصولين. بعض التقديرات تشير إلى تجاوز العدد 30 ألف موظف، وهو ما دفع النائب إيهاب منصور لتقديم طلب إحاطة لرئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، في مارس الماضي. النائبة إحسان شوقي وصفت القانون بـ«العقابي» مؤكدةً أن تطبيقه أدى إلى تدمير آلاف الأسر.

 

زوجات على أبواب الحكومة
الاستغاثات لم تتوقف. ففي الشهر الماضي، نظّمت مجموعة من زوجات الموظفين المفصولين زيارة للعاصمة الإدارية الجديدة، لتقديم شكاوى إلى رئاسة الوزراء ووزارتي البترول والطيران.
لكن بدلًا من الاستجابة، تم استدعاء ثلاث منهن من قبل جهاز الأمن الوطني، في تكرار لما حدث في ديسمبر الماضي، حين تم تجاهل شكاوى مماثلة.

 

تحاليل غير دقيقة وحقوق ضائعة
من أبرز الثغرات التي أشار إليها الموظفون المفصولون، أن القانون يُلزم بإجراء تحليل تأكيدي بعد التحليل الاستدلالي (البولي)، إضافة إلى إتاحة اللجوء إلى الطب الشرعي. لكن في حالات عدة، تجاهلت الجهات المنفذة هذه الضمانات.

إحدى الحالات الموثقة تتعلق بموظف في شركة بترول أُجريت له تحاليل استدلالية إيجابية رغم حالته الصحية التي تمنعه من التدخين، وأبرز تقاريرًا طبية تثبت حالته، فضلًا عن تحليل صادر من صندوق مكافحة الإدمان ينفي تعاطيه. ورغم ذلك، تم فصله دون السماح له بإجراء تحليل تأكيدي.

 

وصمة لا تُغتفر
يقول كريم مجدي، موظف مفصول من شركة "سوكو"، إنه عجز عن تقديم عينة التحليل بسبب انعدام الخصوصية داخل دورة المياه. وتم اتهامه بالغش وامتناع عن التحليل، ليتم فصله لاحقًا. حاليًا، يعمل مجدي في شركة أمن بأجر لا يكفي الحد الأدنى للمعيشة، بعد أن فقد أسرته، وتخلى أولاده عن التعليم الخاص، ويعيش على مساعدات عائلية لسداد قرضه.

في حالة مشابهة، يروي موظف بمديرية الزراعة بكفر الشيخ أنه اضطر لتقديم عينة تحت رقابة صارمة، وبعد ظهور نتيجة إيجابية، تم طمأنته شفهيًا بعدم وجود مشكلة، لكنه فُصل بعد ستة أشهر دون إخطار قانوني مناسب، ويواجه الآن بطالة وضغوطًا نفسية واجتماعية بسبب وصمه بـ«الإدمان» دون دليل مؤكد.

 

الخبراء: القانون غير دستوري ويهدر العدالة
يرى المحامي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن القانون يعاني من شبهات دستورية، مؤكدًا أنه لا يجوز تعميم الكشف على جميع الموظفين، خاصة من لا يتعاملون مع الجمهور بشكل مباشر أو لا يشكلون خطرًا على السلامة العامة، واصفًا ذلك بأنه «انتهاك لخصوصية الجسد».

كما انتقد عدلي النص القانوني الذي يقر الفصل كأقصى عقوبة دون المرور بمراحل تأديبية أو قضائية، ما يعد «إعدامًا إداريًا»، مضيفًا: «إذا ثبت أن الموظف مدمن، فالدولة مُلزمة قانونًا بعلاجه وليس بقطع رزقه».

 

تحليل البول ليس دليلًا قاطعًا
يُجمع مختصون على أن تحليل البول الاستدلالي لا يكفي وحده لإثبات التعاطي. الدكتور محمود الحبيبي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، قال إن أدوية البرد والمضادات الحيوية قد تعطي نتائج إيجابية خاطئة، وأنها تبقى في البول لعدة أيام. كما أشار تقرير رسمي صادر عن وحدة الطب الشرعي بالمنيا إلى أن تحليل البول «غير موثوق طبيًا»، ويجب أن يتبعه تحليل تأكيدي باستخدام أجهزة الكروماتوجرافي، بالإضافة إلى تقييم طبي شامل لحالة المتهم.

 

عدالة مؤجلة وأمل باهت
رغم رفع العديد من القضايا أمام القضاء الإداري، إلا أن أغلبها يُرفض دون فحص جوهري، كما أشار محامون وحقوقيون. ويظل أمل الموظفين المفصولين معلقًا على التفات الدولة إلى مأساتهم، والنظر بجدية في حجم الأضرار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي لحقت بهم وبأسرهم.