تصدّرت حادثة حريق سنترال رمسيس عناوين الصحف العالمية، مسلطةً الضوء على خلل هيكلي في البنية الرقمية المصرية، ومثيرةً تساؤلات حادة حول الجاهزية الأمنية والتقنية في واحدة من أهم منشآت الاتصالات في البلاد، وسط صدمة داخلية وصدى دولي واسع.

اندلع الحريق الهائل في مبنى سنترال رمسيس بوسط القاهرة، وهو مركز التحويلات والاتصالات الأهم في مصر، ما أدى إلى وفاة أربعة أشخاص وإصابة 15 آخرين، فضلًا عن توقف مفاجئ وموسّع لخدمات الهاتف المحمول والإنترنت، في حادثة وُصفت بـ"الأخطر" منذ سنوات في قطاع الاتصالات.

 

ردود فعل عالمية.. فزع وتحذير
الحدث لم يبق محليًا؛ فقد لفت انتباه وكالات الأنباء والصحف الدولية الكبرى، التي تناولت أبعاد الحريق على مستويات عدة، من الفنية والتكنولوجية، إلى الاجتماعية والاقتصادية.

وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية وصفت الحريق بأنه "كبير وغير مسبوق"، مشيرة إلى أنه أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 14 شخصًا، وخلّف آثارًا ملموسة على مستوى خدمات الاتصالات في البلاد. ولفتت الوكالة إلى أن المنشأة المتضررة تعتبر "حيوية" في شبكة البنية التحتية الرقمية المصرية.

رويترز البريطانية ركزت على الجانب التقني، مؤكدة أن الحريق أدى إلى تعطل شبكات الاتصالات وخدمات البيانات في جميع المحافظات، لكنها نوّهت بأن السلطات نجحت في احتواء النيران بعد ساعات من اندلاعها.

صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية ذهبت إلى أبعد من مجرد نقل الحدث، معتبرة أن ما جرى "دليل صارخ على هشاشة البنية التحتية الرقمية في مصر"، داعية إلى مراجعة عاجلة لمعايير الأمان داخل المنشآت الحيوية، لا سيما تلك المرتبطة بالخدمات السيادية والاتصال الرقمي.

أما وكالة "شينخوا" الصينية فقد نقلت عن مسؤولين مصريين أن الخدمات أُعيدت بشكل شبه كامل، مع تأكيد على "عدم تأثر مؤسسات الدولة الحيوية".

 

البنية الرقمية في مرمى التساؤلات
مع تصاعد تداعيات الحريق، أصبحت التساؤلات حول سلامة البنية التحتية الرقمية ومدى جاهزيتها للأزمات في صدارة المشهد. فالحادث وقع في منشأة يُفترض أنها محصّنة، كونها محورًا مركزيًا في قطاع الاتصالات الوطني.

وأثار خبراء ومتخصصون في مجال تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية الرقمية مخاوف من أن تكون نظم الحماية والوقاية من الحريق داخل المراكز الحساسة لا تواكب التطور التكنولوجي، مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف أسباب الحادث بدقة، ومراجعة المعايير الفنية والهندسية لجميع مراكز الاتصالات الكبرى في البلاد.

وفي هذا السياق، تساءل المهندس أحمد جاد، أحد خبراء الشبكات، عن جدوى الاعتماد على منشآت مركزية قديمة بهذا الشكل، مؤكدًا أن ما حدث يكشف "فجوة خطيرة بين الواقع الرقمي المتسارع والنظام المؤسسي البيروقراطي الذي لم يعد يواكب التطورات العالمية".

 

آثار ممتدة.. ومواطنون في مهب الفوضى الرقمية
رغم البيانات الرسمية التي تؤكد استعادة جزء كبير من الخدمات، فإن الواقع لا يزال بعيدًا عن التعافي الكامل. فمواطنون كُثر تحدّثوا عن أعطال في ماكينات الصراف الآلي، وصعوبات في إجراء التحويلات البنكية، وانقطاع خدمات إلكترونية في المصالح الحكومية والخاصة، في وقت أصبح فيه الاعتماد على الوسائل الرقمية أمرًا حتميًا.

يقول أحد الموظفين في قطاع البنوك: "اضطررنا إلى إغلاق عدد من ماكينات الصرف الآلي بسبب انقطاع الشبكة، والعملاء غاضبون، ونحن لا نملك تفسيرًا واضحًا سوى أن النظام المركزي تعطل بسبب الحريق.".

وفي موازاة ذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا توثق الطوابير الطويلة أمام ماكينات غير عاملة، وشكاوى من تعطّل أنظمة الحجز والاتصال في عدد من الشركات والمؤسسات الخدمية.

الطوارئ لا تكفي وحدها.. المطلوب بنية جديدة
تكشف هذه الأزمة بما لا يدع مجالًا للشك أن خطط الطوارئ وحدها لا تكفي في عصر أصبحت فيه المعلومة هي الثروة الحقيقية، والانقطاع الرقمي يشبه "شللًا عامًا" يصيب مفاصل الدولة.

وتكمن الخطورة في أن تكرار مثل هذا الحادث في منشآت أخرى دون معالجة حقيقية قد يقود إلى "كارثة سيبرانية" في وقت تعاني فيه الدولة من تحديات اقتصادية وأمنية متداخلة.