يعيش نحو 2000 عامل بشركة سيراميكا إينوفا (المعروفة سابقًا باسم سيراميكا الفراعنة) في منطقة كوم أوشيم الصناعية بمحافظة الفيوم أوضاعًا مأساوية بعد حرمانهم من الخدمات الطبية والعلاجية التي توفرها هيئة التأمين الصحي، بينهم مرضى بأمراض مزمنة وأورام سرطانية كانوا يتلقون علاجًا دوريًا، وذلك نتيجة امتناع الشركة عن سداد اشتراكات التأمين الصحي المتراكمة والتي تقدر بـ 80 مليون جنيه.

وبحسب ما أكدته ثلاثة مصادر عمالية، أحدهم قريب من الإدارة، فإن القرار الصادر عن هيئة التأمين الصحي بالفيوم أوقف تمامًا استقبال العمال في المستشفيات، ومنع صرف الأدوية الشهرية لمرضى الضغط والسكر والقلب، بالإضافة إلى وقف جلسات العلاج الكيماوي لمريضين مصابين بالسرطان.

 

استقطاع من رواتب العمال.. وغياب العدالة
ولم تقتصر الأزمة على امتناع الشركة عن دفع حصة صاحب العمل، بل شملت أيضًا الاستيلاء على نسبة العمال من التأمينات التي كانت تخصم شهريًا من رواتبهم. أحد العمال صرح، طالبًا عدم الكشف عن اسمه، قائلاً:

"مش بس مكنش بيدفع حصته في التأمين، لأ، ده كمان كان بيخصم فلوسنا ويحطها في جيبه".

محاولات يائسة بذلها المدير الإداري للشركة محمود جمعة مع هيئة التأمين الصحي لتجديد العلاج لمرضى الأورام والمزمنين، لكنها باءت بالفشل. وفي الوقت نفسه، رفضت الدولة علاجهم على نفقتها لأنهم مسجلون بالفعل تحت مظلة التأمين الصحي.

أحد المصادر سأل بمرارة:

"يعني التأمين قطع العلاج علشان الاشتراكات، والدولة بترفض تعالجهم، طيب الناس دي تموت؟".

 

أزمة تشغيل متفاقمة رغم عودة الغاز
ورغم عودة ضخ الغاز الطبيعي أواخر يونيو الماضي بعد انقطاع دام 6 أيام، توقفت مصانع الشركة عن الإنتاج، ما أثار تساؤلات بين العمال.
الإدارة أرجعت ذلك إلى ضعف ضغط الغاز، لكن أحد العمال أكد أن مصنع "الملكة" التابع للمجموعة عاد إلى العمل فعليًا، مما يرجح وجود أسباب خفية لتوقف الإنتاج.

في السياق نفسه، يعاني العمال من تأخر رواتب شهري مايو ويونيو، بينما حُرم المئات من الأجر الكامل بعد منحهم إجازات إجبارية براتب أساسي فقط خلال الأشهر الماضية، بينهم 57 امرأة و130 من ذوي الإعاقة، وذلك في مخالفة صريحة لقانون العمل ونسبة الـ5% المخصصة للعمالة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

فصل تعسفي وإنذارات جماعية
وفي مشهد يعكس غياب الأمان الوظيفي، أرسلت الشركة في مايو الماضي إنذارات بالفصل إلى 45 عاملًا كانوا في إجازات إجبارية، بدعوى تغيبهم عن العمل، رغم تأكيدهم أنهم لم يتلقوا أي استدعاء رسمي للعودة، لا كتابيًا ولا بأي وسيلة إلكترونية.

 

موجة احتجاجات متكررة دون جدوى
العمال دخلوا في إضرابين عن العمل هذا العام، الأول في يناير للمطالبة بصرف راتب ديسمبر وتطبيق الحد الأدنى للأجور بواقع 6 آلاف جنيه، والثاني في يونيو احتجاجًا على تأخر راتبي أبريل ومايو، مع مطلب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، إلى جانب إقرار زيادة سنوية لا تقل عن 1200 جنيه. لكن الإضرابات انتهت تحت ضغط الحاجة بعد صرف أجزاء من الرواتب المتأخرة دون استجابة للمطالب الأخرى.

 

تاريخ من الأزمات
تأسست شركة سيراميكا الفراعنة في أواخر الثمانينيات على يد رجل الأعمال محمد فوزي، ومرت بمراحل من التوسع قبل أن تتعثر ماليًا خلال العقد الماضي. ورغم محاولات التوسع في الإنتاج، فإن الشركة عُرفت بتاريخ طويل من الإضرابات والاحتجاجات العمالية، بدأت في 2009 وتزايدت عقب ثورة 25 يناير، بسبب ما وصفه العمال بـ"غياب العدالة الوظيفية وانتهاك الحقوق الأساسية".

اليوم، تقف سيراميكا إينوفا كمثال صارخ على أزمة مزدوجة: اقتصادية وإنسانية، حيث يعاني العمال بين مطرقة الإهمال المالي وسندان غياب العدالة الاجتماعية، في ظل صمت رسمي يعمّق الجراح ولا يبشر بحل في الأفق.