انهيار مجمع مواقف قبل افتتاحه
شهدت مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا، في يوليو 2025، حادثة مروعة أثارت موجة غضب واسعة في الشارع المصري، بعدما انهار جزء من مجمع المواقف الجديد قبل تشغيله رسميًا، مما أدى إلى إصابة 4 من العمال كانوا متواجدين في الموقع.
الحادثة أعادت إلى الواجهة ملف الفساد في مشاريع البنية التحتية التي تنفذها الحكومة المصرية تحت حكم عبد الفتاح السيسي، وسط مطالبات بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة التي كادت أن تحصد أرواحًا بريئة.
وبحسب شهود عيان، انهار سقف أحد المباني الملحقة بالمجمع أثناء إنهاء أعمال التشطيب، ما أدى إلى سقوط كتل خرسانية على العمال، نُقلوا على إثرها إلى مستشفى نجع حمادي العام.
وأكدت مصادر طبية أن الإصابات تراوحت بين كسور وجروح متفرقة، بينما تم الدفع بقوات الحماية المدنية والشرطة لتأمين المكان وفتح تحقيق في الواقعة.
المشروع.. أرقام وتكلفة وأهداف مُعلنة
مشروع مجمع مواقف نجع حمادي بدأ العمل به في مطلع عام 2023، وكان من المفترض أن يكون من أكبر مشروعات النقل الداخلي في محافظة قنا.
ووفقًا لتصريحات مسؤولي المحافظة، بلغت التكلفة المعلنة للمشروع نحو 92 مليون جنيه مصري، بتمويل من وزارة التنمية المحلية، بهدف تنظيم حركة النقل وتقليل الازدحام داخل المدينة.
المجمع يقع على مساحة تقارب 10 آلاف متر مربع، ويضم مباني إدارية ومحال تجارية، بالإضافة إلى أماكن مخصصة للميكروباصات والنقل الداخلي والخارجي.
المشروع، الذي وُصف بأنه "نقلة حضارية" لمحافظة قنا، كان من المقرر افتتاحه في النصف الثاني من عام 2025، قبل أن تتوقف الأعمال فجأة إثر الانهيار الذي فضح هشاشة التنفيذ.
فساد مزمن في المشاريع الحكومية
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في مصر خلال السنوات الأخيرة، إذ تتكرر الحوادث المشابهة التي تكشف هشاشة الرقابة على مشاريع الإنشاءات العامة، والفساد المستشري في تنفيذها.
فبحسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات في عام 2024، بلغت قيمة المخالفات في مشاريع البنية التحتية فقط أكثر من 15 مليار جنيه، نتيجة تفاوت في المواصفات، وسوء استخدام المواد، وغياب الرقابة الفعالة.
العديد من المراقبين يرون أن نظام السيسي يواصل ترسية المشروعات على شركات بعينها، بعضها مملوك للجيش أو لمستثمرين مقرّبين من النظام، دون شفافية أو مناقصات حقيقية، وغالبًا ما تُنفّذ هذه المشروعات على عجل لتحقيق إنجازات دعائية، دون الالتفات إلى معايير الجودة أو السلامة.
عقب الحادث، أصدرت محافظة قنا بيانًا مقتضبًا أعلنت فيه تشكيل لجنة هندسية لـ"الوقوف على أسباب الانهيار"، دون الإشارة إلى توقيت واضح لنتائج التحقيق أو محاسبة المتسببين.
كما أشار البيان إلى "إجراءات احترازية" لحماية المواطنين، ما أثار انتقادات واسعة لغياب الشفافية.
في المقابل، قال النائب السابق أحمد الشرقاوي عبر صفحته على فيسبوك: "انهيار مجمع المواقف قبل افتتاحه هو جريمة مكتملة الأركان، ويمثل دليلاً صارخًا على الفساد الذي بات سمة أساسية في كل مشاريع الدولة في عهد السيسي".
مشاريع مهدورة وديون متصاعدة
رغم الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر، تستمر حكومة الانقلاب في ضخ مليارات الجنيهات في مشاريع لا تخضع لرقابة فعالة، ولا تعود بفائدة حقيقية على المواطن.
فقد ارتفع الدين العام المصري إلى ما يزيد عن 11.5 تريليون جنيه في نهاية 2024، بينما تتزايد نسبة الفقر لتتجاوز 32% من السكان، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
في هذا السياق، يرى خبراء أن الحكومة تروّج لمشروعات "عملاقة" كوسيلة دعائية، دون دراسة جدواها، وهو ما أدى إلى فشل العديد منها أو توقفها.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق: "لدينا دولة تنفق كأنها دولة غنية نفطية، بينما هي تستدين من كل الجهات.. مشاريع مثل العاصمة الإدارية والقطار السريع ومجمعات النقل تبتلع المليارات، لكنها لا تحل الأزمات الحقيقية للمواطنين".
من يتحمل المسؤولية؟
السؤال الأهم بعد حادثة انهيار مجمع نجع حمادي؛ من يتحمّل المسؤولية؟ في ظل غياب نظام محاسبة شفاف، تكررت الحوادث دون أن نسمع عن إقالة وزير أو محاكمة مسؤول، المواطن المصري وحده يدفع الثمن، سواء بأرواح الضحايا أو بأمواله التي تُهدر في مشروعات مشوّهة.
وفي هذا السياق، غرّد الكاتب الصحفي سامي كمال الدين قائلًا: "ما حدث في قنا هو مجرّد عيّنة من مشروعات 'المقاولين' التي يغيب عنها الضمير، ويحكمها الولاء للنظام وليس الكفاءة، هذا هو النموذج الذي يقدمه السيسي لشعبه".
الانهيار لا يقتصر على الخرسانة
إن انهيار مجمع نجع حمادي قبل تشغيله يرمز إلى ما هو أعمق من انهيار مبنى.. إنه يشير إلى انهيار منظومة كاملة تعاني من الفساد، غياب المحاسبة، وتهميش الكفاءات، والمأساة أن هذه الكوارث لا تُعد استثناء، بل صارت قاعدة في دولة لا يُسأل فيها أحد، ويُكافأ الفشل بالصمت أو الترقية، وما لم يتم فتح هذا الملف بشفافية ومحاسبة جميع المتورطين، فإن الشعب سيظل يدفع الثمن، ليس فقط من أمواله، بل من أمنه وسلامته وكرامته.