قفزت أسعار أدوية الأمراض المزمنة بنحو 300% خلال النصف الأول من 2025، بسبب ندرة المعروض منها مع اقتصار توزيعها على عدد محدود من الصيدليات دون الأخرى، وهو ما أدى لخلق سوق سوداء بالسوق المحلية.

تشمل أدوية الأمراض المزمنة مجموعة واسعة من الأدوية المستخدمة منها أدوية السكري، مثل الأنسولين والأدوية الفموية، وأدوية القلب وضغط الدم والكوليسترول، والربو، وأدوية التهاب المفاصل مثل الإيبوبروفين، وأدوية السرطان مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني.

أدت عملية حصر توزيع الأدوية على صيدليات محددة وصيدليات المستشفيات الحكومية في ، إلى تضاعف بعض أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية، ووصول العبوة إلى 100 ألف جنيه أحياناً، بحسب عادل عبد المقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بغرفة القاهرة التجارية لـ"الشرق".

ورغم التصريحات الحكومية، بحل أزمة نقص الأدوية، لكن الأزمة لا تزال مستمرة في عدد من أدوية الأمراض المزمنة، ورغم توافر بدائل محلية، يشكو مرضى من أن فعالية بعضها لا تُضاهي نظيرتها الأصلية، ما يدفع البعض للاعتماد على أقارب أو أصدقاء مسافرين لجلب احتياجاتهم العلاجية من الخارج، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وندرة التوزيع داخل مصر.

وبحسب عادل عبد المقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بغرفة القاهرة التجارية فإن بعض أصحاب الصيدليات يعتمدون على بيع أصناف الأدوية مرتفعة السعر، مثل أدوية تثبيت المناعة وعلاج الكلى والسرطان والقلب، والتي تصل إلى 30 و40 ألف جنيه وتصل أحياناً إلى 100 ألف جنيه للعبوة، للأصناف المستوردة.

ومن جهته قال رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية، علي عوف إن "بعض المواطنين يحتاجون للسفر من أقصى صعيد مصر إلى العاصمة لشراء صنف معين من الأدوية من الصيدليات الحكومية أو الصيدليات الكبرى، رغم أنه يمكن لهيئة الدواء أن تلزم شركات توزيع الأدوية بمنح حصص من أدوية الأمراض المزمنة للصيدليات في المحافظات البعيدة عن نطاق العاصمة".

أحد المرضى المصابين بورم سرطاني يقول إن الدواء الذي يحتاجه أصبح شبه مستحيل العثور عليه في مصر، مُشيراً إلى أن البديل المحلي المتاح غير فعال ولا يمنح أي تحسن، حيث قال: "لم أجد أمامي سوى اللجوء لبعض المعارف في أوروبا".

 أضاف أنه اضطر أيضاً للبحث في دول الخليج لمحاولة توفير العلاج بأي وسيلة، بعدما فقد الأمل في إيجاده محلياً".

 

أسباب الارتفاع

من جانب آخر تباينت ردود الأفعال حول موجة الزيادات الجديدة إذ أشار بعض المتابعين للقطاع إلى أن التحركات الأخيرة قد تكون مرتبطة بمحاولات مفتعلة لتخزين كميات من الأدوية داخل السوق المحلي بهدف التربح من ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة خصوصًا مع بعض الأصناف ذات الطلب المرتفع مثل أدوية الخصوبة التي شهدت قفزات ملحوظة في أسعارها دون مبررات واضحة تتعلق بالإنتاج أو الاستيراد

وفي السياق ذاته أكدت مصادر مسؤولة عن تخارج بعض الشركات الأجنبية من السوق المصري بسبب وجود خسائر كبيرة في القطاع أو اضطرابات حادة في سلاسل التوريد.

من جهته أرجع الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، تلك الزيادات إلى زيادة أسعار المحروقات والكهرباء والغاز، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور، وما يترتب عليه من التزامات مالية إضافية على المصانع، منها التأمينات والرواتب.

كما أشار إلى أن التغير المستمر في سعر صرف الجنيه أمام الدولار شكّل ضغطًا كبيرًا على مصانع الأدوية، التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة، مما دفعها إلى المطالبة برفع أسعار الأدوية لتعويض التكاليف المتزايدة.

وأكد البدوي أن هذه التطورات الاقتصادية تسببت في موجة من ارتفاع الأسعار وصلت في بعض الأصناف إلى 90% خلال أقل من عام، وهو ما أثّر سلبًا على المواطنين، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.

 

تخارج الشركات الأجنبية

اتجهت بعض الشركات الأجنبية العاملة بقطاع الأدوية بالسوق المحلية، إلى تقليص حجم إنتاجها في مصر بنسبة تتجاوز الـ50%، وهو ما أدى إلى نقص عدد كبير من الأدوية الحيوية في الصيدليات، وبيعها بالسوق السوداء بأسعار تزيد بنحو 300% مقارنة بالسعر الرسمي، وفق ما كشف عنه علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التُجارية.

وأضاف عوف أن أغلب الشركات الأجنبية تُفكر في التخارج من السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، مرجعا ذلك إلى الخسائر المالية الفادحة التي يتعرضون لها بسبب تدني أسعار بيع منتجاتهم، على حد وصفه.

وأشار إلى أن الشعبة طالبت هيئة الدواء في مطلع الشهر الجاري، بالسماح للشركات برفع أسعار الأدوية 10%، ولكن لم يتم الموافقة على الطلب حتى الآن، وهو ما تسبب في استمرار أزمة نقص بعض الأصناف الحيوية، المخصصة لعلاج الأورام، والأمراض المستعصية.

 

السوق السوداء والأدوية المغشوشة

يشهد سوق الدواء في مصر اضطرابات حادة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السيولة، ما أدى إلى انتشار السوق السوداء والدواء المغشوش، وسط معاناة المرضى وتراجع القدرة الشرائية.

ورغم نمو المبيعات تواجه الصيدليات خسائر، وتتعثر جهود التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية، وبينما تغطي الصناعة المحلية 82 في المئة من السوق، تظل الفجوة قائمة بين وفرة الدواء وسعره المناسب للمواطن.

وبدأ تأثير ارتفاع أسعار الدواء في مصر يلقي بظلاله على المرضى وآليات العمل داخل السوق المحلي، إذ قادت المراجعة الدورية لقيمة العقاقير المصنوعة محليا كل ثلاثة أشهر إلى نمو واضح في المبيعات.

وفي المقابل زادت أوجاع البسطاء وانتشر ما يسمى بـ”السوق السوداء” للأدوية، وبيعها على أرصفة الطرق ومواقع التواصل الاجتماعي، في ظل عثرات تواجه هيئة الدواء الحكومية في التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية.

كشف سكرتير عام شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية محمد شاهين عن مطالبة الشركات وشعبة الأدوية برفع أسعار ألف صنف دوائي، معتبرا أن الزيادات الأخيرة التي جرى إقرارها بعد تحرير سعر صرف الجنيه منذ نحو عامين لم تعد كافية في ظل الأعباء الجديدة، لافتا إلى أن مطالبهم تتضمن زيادة قيمتها بـ10 في المئة فقط.

 

مديونيات الحكومة

أما عن مستحقات شركات الأدوية لدى الجهات الحكومية فقد كشفت تقارير سابقة أنها تجاوزت خمسين مليار جنيه وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الشركات العاملة في السوق ويزيد من الحاجة إلى إعادة هيكلة منظومة التسعير بما يضمن استمرارية توفر الدواء وعدم تحميل المواطن أعباء إضافية دون مبرر

وبينما تتواصل مطالبات الشركات بالمزيد من الزيادات يرى بعض الخبراء أن الحلول لا تكمن في تعديل الأسعار بشكل دوري بل في تحسين بيئة التصنيع المحلي وتوفير حوافز استثمارية حقيقية للصناعة الوطنية فضلًا عن ضبط الأسواق من أي ممارسات احتكارية قد تؤدي إلى اختفاء بعض الأدوية من السوق أو التلاعب بأسعارها لصالح جهات معينة.

القطاع الدوائي المصري يقف حاليًا أمام تحديات مركبة تفرض ضرورة التوازن بين ضمان استدامة الإنتاج المحلي وتلبية احتياجات المرضى بأسعار عادلة في ظل واقع اقتصادي يتسم بعدم الاستقرار