أثار قرار عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب بالعفو عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح جدلاً واسعًا داخل مصر وخارجها، خاصة أن علاء يعد من أبرز رموز ثورة يناير وأحد أكثر الشخصيات التي مثّلت صداعًا مستمرًا للنظام. فبينما رأت بعض الأطراف في القرار خطوة نحو التهدئة السياسية وإرسال إشارات إيجابية للخارج، اعتبر آخرون أن العفو لا يعدو كونه مناورة تكتيكية مرتبطة بضغوط اقتصادية وحقوقية خانقة تواجه السلطة.
تهم سياسية مكررة
علاء عبد الفتاح قضى معظم العقد الأخير بين السجن والمحاكم، بتهم وُصفت دومًا بأنها "سياسية" أكثر منها جنائية، منها "نشر أخبار كاذبة" و"التحريض على التظاهر". وبفعل سنوات الاعتقال الطويلة، تحول علاء إلى رمز عالمي لمعركة حرية التعبير في مصر، حيث تبنّت منظمات حقوقية دولية حملات مستمرة للمطالبة بالإفراج عنه. هذا البُعد الرمزي جعل ملفه واحدًا من أبرز أوراق الضغط على النظام المصري في المحافل الدولية، خاصة مع تصاعد الانتقادات خلال انعقاد قمم المناخ ولقاءات حقوق الإنسان.
ويقول جمال عيد إن "القضية لم تكن تخص علاء وحده، بل تحولت إلى قضية رأي عام عالمي، لذا فإن خروجه لا يُحسب كمنّة من السلطة بل كتصحيح متأخر لخطأ جسيم".
أبعاد سياسية داخلية
من الناحية الداخلية، يعكس العفو عن علاء محاولة من النظام لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد، خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أرهقت المواطن العادي. فالنظام يحاول أن يقدّم نفسه باعتباره أكثر "مرونة" مع المعارضة، بعد سنوات من القبضة الأمنية الصارمة. لكن مراقبين يؤكدون أن هذا الانفتاح المزعوم لا يتجاوز كونه رسالة شكلية، إذ ما زالت السجون تضم آلاف المعتقلين السياسيين. وبالتالي، فإن العفو عن شخصية بارزة مثل علاء قد يُستخدم كأداة دعائية أكثر من كونه تحولًا حقيقيًا في النهج السياسي.
وفي هذا السياق، اعتبر محمود عباس أن "إطلاق علاء بينما يظل آلاف الشباب خلف القضبان، أشبه بطلاء تجميلي لواجهة متصدعة".
تأثيرات خارجية وضغوط دولية
على الصعيد الدولي، يربط كثيرون بين العفو والضغوط الأوروبية والأمريكية التي واجهتها مصر مؤخرًا. فملف علاء عبد الفتاح ظل حاضرًا في خطابات برلمانات أوروبية ومنظمات حقوقية، حتى أن الحكومة البريطانية تعرضت لضغوط داخلية للتحرك باعتبار علاء يحمل الجنسية البريطانية أيضًا. لذلك يرى محللون أن النظام أراد من خلال هذه الخطوة تحسين صورته أمام الغرب، خصوصًا في وقت يسعى فيه للحصول على مزيد من القروض والمساعدات الاقتصادية. فالعفو قد يُقرأ كبادرة حسن نية تهدف إلى تخفيف الانتقادات، لا سيما مع استمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي وشركاء أوروبيين.
ويرى نجاد البرعي أن "العفو رسالة موجهة إلى العواصم الغربية أكثر مما هي موجهة إلى الشعب المصري"
مخاطر وتداعيات محتملة
رغم الترحيب الحقوقي بالعفو، إلا أن هناك من يرى أنه سلاح ذو حدين. فمن جهة، قد يمنح القرار السيسي بعض المكاسب السياسية والإعلامية، لكنه من جهة أخرى قد يعزز من مكانة علاء عبد الفتاح كمعارض بارز ورمز للمقاومة المدنية. فخروجه إلى الساحة مجددًا، حتى ولو بقي تحت رقابة أمنية مشددة، يضع النظام أمام تحدٍ جديد في كيفية التعامل معه ومع صوته الحر. علاوة على ذلك، فإن أي عودة لعلاء للنشاط السياسي أو الحقوقي ستثير قلق السلطة، وتؤكد أن ملف الحريات في مصر لا يمكن إغلاقه بقرار عفو فردي.
وقال خالد علي إن "النظام أفرج عن علاء مُكرهًا، لكنه سيحاول تطويق حركته، غير أن مجرد خروجه يعيد فتح ملف المعتقلين بقوة".
قراءة نقدية للخطوة
في النهاية، يبدو العفو عن علاء عبد الفتاح أقرب إلى مناورة سياسية محسوبة أكثر منه تغييرًا جوهريًا في سلوك النظام. فالسلطة التي زجّت بآلاف المصريين في السجون خلال العقد الأخير لا يمكن أن تبرّئ نفسها بعفو فردي عن ناشط واحد، مهما بلغت رمزيته. كما أن تكرار هذا النمط – إطلاق سراح شخصية معروفة تحت الضغط ثم الاستمرار في اعتقال المئات – يعكس استراتيجية "تبادل الأوراق" لا أكثر. وبالتالي، فإن الأثر الحقيقي للعفو لن يقاس بخروج علاء وحده، بل بما إذا كانت هذه الخطوة ستفتح الباب أمام مسار شامل للإفراج عن المعتقلين السياسيين وإصلاح منظومة العدالة في مصر.
وأكد بهي الدين حسن أن "العدالة لا تتحقق بقرار عفو فردي، بل بإنهاء سياسات القمع وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي".
وختاما فقرار السيسي بالعفو عن علاء عبد الفتاح يحمل في طياته رسائل داخلية وخارجية متشابكة: محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، كسب نقاط في مواجهة الانتقادات الدولية، وضمان استمرار تدفق الدعم الاقتصادي. غير أن هذه الخطوة، على أهميتها الإنسانية، لن تغيّر من حقيقة المشهد العام: أزمة سياسية متجذرة، قمع مستمر للحريات، وفجوة متسعة بين النظام والمجتمع. وإذا لم يتبع العفو إصلاحات حقيقية، فإنه سيبقى مجرد صفحة أخرى في سجل المناورات السياسية للنظام الانقلابي.