بدأت هيئة الأبنية التعليمية إجراءات أولية لبحث إمكانية تحويل المراكز الاستكشافية العلمية إلى فصول دراسية أو إدارات تعليمية، ما يهدد أحد أهم المشروعات التعليمية التي تستهدف تنمية مهارات التفكير الإبداعي والابتكار لدى الطلاب.

وحصلنا على نسخة من خطاب رسمي وجهته هيئة الأبنية التعليمية إلى جميع مديريات التعليم بالمحافظات، تطالب فيه بتقديم "الرفع المساحي" للمراكز الاستكشافية، لدراسة إعادة توظيفها بما يحقق هدف خفض كثافة الفصول الدراسية أو سد احتياجات الإدارات من المباني. وجاء في نص الخطاب أن هذا التوجه يأتي تنفيذًا لتعليمات وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، تمهيدًا لـ"العرض عليه بعد الدراسة".

تناقض مع الخطة الاستراتيجية
هذا التحرك يتناقض بوضوح مع الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم 2024-2029، التي نصت صراحة على التوسع في إنشاء وتطوير المراكز الاستكشافية كوسيلة لتحسين جودة التعليم وتنمية المهارات الإبداعية لدى الطلاب. وتشمل الخطة محاور تتعلق بدمج التعليم التفاعلي والأنشطة التطبيقية في المنظومة التعليمية، وتقليص الفجوة بين المدارس الحكومية والدولية.

ورغم ذلك، شمل الخطاب الصادر عن هيئة الأبنية التعليمية 24 محافظة، من بينها الإسكندرية، والإسماعيلية، وأسوان، والبحر الأحمر، وسوهاج، والفيوم، وشمال وجنوب سيناء، والقليوبية وغيرها، في إشارة إلى أن التوجه ليس محدودًا جغرافيًا بل ذا طابع وطني.

تجارب المحافظات: قنا نموذجًا
في محافظة قنا، اقترحت المديرية التعليمية مؤخرًا دمج المركز الاستكشافي بالمحافظة مع إدارة الموهوبين، وهو ما ردت عليه هيئة الأبنية بتأكيد أن هناك بالفعل مركزًا لرعاية الموهوبين في قنا الجديدة، لكنه "غير مفعل"، على حد وصف مصدر مسؤول بالتربية والتعليم بالمحافظة.

وقال المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن المركز المشار إليه "منشأ منذ أكثر من 10 سنوات، لكنه غير مجهز للعمل، ولا يحتوي على مقعد واحد، ويحتاج إلى ميزانية بملايين الجنيهات لبدء تشغيله"، مضيفًا أن دمج المركز الاستكشافي مع إدارة الموهوبين "جاء لضمان استمرار تقديم الخدمة التعليمية للطلاب الموهوبين والمبتكرين".

ويبلغ عدد المراكز الاستكشافية في مصر حاليًا 52 مركزًا فقط بعد أن كانت 57، موزعة على جميع محافظات الجمهورية. ورغم أن بعضها يعمل داخل منشآت تعليمية، إلا أن نحو 10 مراكز فقط تمتلك مباني مستقلة، من بينها مركز السويس الذي افتُتح في 2021 بتكلفة بلغت 96 مليون جنيه، على مساحة 4 آلاف متر.

من الفكرة إلى التهميش؟
تعود فكرة إنشاء المراكز الاستكشافية إلى عام 1998، في محاولة لسد الفجوة بين طلاب المدارس الحكومية ونظرائهم في التعليم الدولي، عبر توفير بيئة تعليمية تفاعلية مجانية تتيح التعلم التطبيقي، خصوصًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. وتُعد هذه المراكز أداة أساسية لتشجيع الأطفال على التفكير النقدي والمبادرة والبحث، بعيدًا عن التلقين والحفظ.

وبينما تحرص الدول التي تسعى لتحديث نظمها التعليمية على دعم هذا النوع من التعليم، فإن الاتجاه الحالي لتحويل هذه المراكز إلى فصول أو إدارات يطرح تساؤلات واسعة حول الأولويات التعليمية في مصر، وما إذا كانت الوزارة تعاني من أزمة بنية تحتية دفعتها للتخلي عن مشروعاتها الطموحة.