ارتفاعات مجنونة أصابت أسعار الأكلات الشعبية في مصر، بعد زيادة حكومة السيسي لأسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي، وزادت على أثرها أسعار السندوتشات اليومية من الفول والفلافل والكشري التي يشتريها البسطاء من الناس من المحلات الشعبية أو من العربات المنتشرة في هذه الأحياء
ورفعت حكومة السيسي أسعار غاز الطهي بنسبة تجاوزت 33% مع تراجع سعر الجنيه، ما أثر على أسعار كافة السلع بجنون، حيث زادت خدمات النقل والمواصلات بنسبة 20%، حتى "التوك التوك" وسيلة الانتقال الشعبية والملاحق رسميًا رفع تعرفة الركوب بنحو 50%.
غيّر الغلاء طبيعة استهلاك المواطنين اللحوم والأسماك بتراجع نسبته 93% والفاكهة 89% والحبوب والنشويات 86%، والخضر 86%. ويبحث 85.4% من السكان عن أنواع أرخص من الغذاء وفق تقارير ميدانية حديثة لـ"المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" الحكومي.
غلاء الوقود
يقول صاحب محل مخبوزات، مصطفي خيري، إن زيادة أسعار الغاز التجاري وضعته في مأزق جعله حائرًا مع زيادة سعر أنبوبة البوتاجاز التجاري سعة 25 كغم من 300 إلى 400 جنيه، بزيادة 100 جنيه دفعة واحدة، وهي العبوة المستخدمة في المحال التجارية، ووصولها إلى المحل من الموزعين بزيادة 50 جنيهًا في الأيام العادية و100 جنيه في ذروة الطلب والأعياد، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار السولار والبنزين وزيوت السيارات رفع قيمة نقل الدقيق إلى المخبز بنسبة 20% خلال ساعات من تعميم زيادة أسعار المحروقات في 11 إبريل الجاري.
ووفق صاحب محل المخبوزات: نحن أصحاب أسر، وكلنا نعاني داخل بيوتنا، ونحاول قدر الإمكان أن نقتسم مرارة العيش، بدلًا من جني أرباح كبيرة على حساب شقاء الآخرين، لذلك خففنا حوالي 10 جرامات من كل رغيف "بلدي" ليصل وزنه إلى حوالي 55 جرامًا، وكذلك في خبز "الفينو" ليصبح 40 جرامًا، بالتوازي مع إنتاج رغيف وزن 50 جرامًا محلى بالسمسم للبيع بسعر 2.5 جنيه للرغيف بدلًا من جنيهين لمنخفض الوزن.
غلاء عربات الفول
يذكر محمد، الذي رفض ذكر اسمه كاملًا أن رفع سعر "الساندوتش" من 5 إلى 7 جنيهات، يأتي بعد زيادة سعر الفول والغاز وفرض الحكومة على العربات ضرورة تسجيل العربة التي تعمل من دون محل في الأحياء مقابل خمسة آلاف جنيه سنويًا، وإخطار أصحابها، الشهر الماضي، بطلب تركيب عداد كهرباء، ومنعهم من الاستفادة من الإضاءة من الأماكن العامة أو الحصول على وصلات من أي طرف آخر، عدا ملاحقتهم بضرائب على الدخل مبالغ فيها.
يشير محمد إلى أن الجهات الحكومية أخطرت أصحاب المحال وعربات الفول بأنهم سيدرجون نشاطهم اعتبارًا من يوليو القادم في قوائم ضريبة القيمة المضافة، بما يتطلب تجهيز المحال والعربات بمعدات إلكترونية تحسب تلك الضريبة على كل "سندوتش"، ما يراكم الأعباء على محال الفول والطعمية، ويزيد من المشاكل، في وقت يضطرون فيه إلى رفع أسعار "الساندوتش" أسوة بالمحال الكبرى التي تعرضه بسعر ما بين 10 إلى 25 جنيهًا، وهو الذي يشكل أهم وجبة يومية للطبقة العاملة والشعبية، والبديل الآمن والرخيص عن الوجبات الجاهزة التي ارتفعت بمعدلات هائلة.
زادت سعر "ساندوتش" الفلافل من 6 إلى 10 جنيهات في المحال الشعبية، مع زيادة تكلفة الفلافل والخبز بنسبة 20% وارتفع سعر كيلو الزيت من 60 إلى 100 جنيه، رغم تراجع أسعار الزيوت عالميًا إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد 19 عام 2020 وأزمة الحرب الروسية – الأوكرانية 2022، وفقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لشهر مارس 2025.
وطاولت زيادة الأسعار المخللات والخضراوات والبقوليات واللحوم الطازجة والمجمدة، فزادت الضغوط على محال الفول والفلافل، والكشري والمشويات، في وقت ارتفعت فيه أسعار المأكولات في المطاعم والفنادق المسجلة بمعدلات التضخم الرسمية بنحو 25% خلال مارس الماضي.
ارتفاع أسعار المخبوزات
يتوقع رئيس شعبة المخابز عبد الله غراب ارتفاعًا جديدًا في أسعار المخبوزات تصل إلى 25% خلال الأيام المقبلة، بعد إضافة الزيادة في تكلفة المحروقات والنقل، لافتًا إلى طلبه من الحكومة تعديل قائمة أسعار بيع الخبز الحر، عن المعدلات المقررة عام 2024، إلى 1.5 جنيه للرغيف وزن 80 جرامًا و75 قرشًا لوزن 40 جرامًا و50 قرشًا لوزن 25 جرامًا. استبقت الأسعار في السوق طلبات رئيس الشعبة على أرض الواقع، ما يزيد العبء على الباعة الذين يخشون الملاحقة الأمنية، واعتراض المشترين على زيادة الأسعار.
شهدت أسعار الخضراوات قفزات رغم تدفقات هائلة من كافة السلع والفاكهة على مراكز التوزيع والسويقات الشعبية وبين الأحياء بالمدن الكبرى، في موسم حصاد مزدهر، وأحوال طقس ربيعية باردة. ارتفعت أسعار الطماطم من 6 إلى 12 جنيهًا، والبطاطس من 8 إلى 15 جنيهًا.
وبعد رفع السعر أنبوبة البوتاجاز المنزلي سعة 12.5 كجم بقيمة 50 جنيهًا، لترتفع من 150 إلى 200 جنيه، فرض موزعو الغاز قائمة أسعارهم على العبوات المنزلية سعة 12.5 كجم بمبالغ تبدأ من 25 جنيهًا في الأحياء الشعبية وتصل إلى 50 جنيهًا عند توصيلها إلى المنازل في الأحياء المتوسطة، وإلى 100 جنيه في المجمعات السكنية الراقية غير المرتبطة بشبكات الغاز الحكومية.
أخطار اجتماعية
انتشرت، خلال الأيام السابقة، أخبار في الصحف المحلية عن زيادة الحوادث، وعن حالات الشجار العائلي وطلب الطلاق، بسبب خلافات أسرية حول تكلفة الحياة اليومية، مع وجود إحصاءات رسمية تظهر ارتفاعًا في معدلات الطلاق لعدم قدرة الزوجين على التكيف مع الزيادة الهائلة في تكلفة المعيشية وتراجع القوة الشرائية، وعدم وجود بدائل توفر الحد الأدنى للمعيشة، رغم بحث المواطنين عن السلع والوجبات الرخيصة.
يرجع متشاكسون خلافاتهم إلى عدم قدرتهم على ملاحقة الزيادة في أسعار السلع، وانخفاض الأجور وتدهور الجنيه، بما لا يمكنهم من استكمال حياتهم اليومية، في ظل تقشف وفقر مدقع، إلا بتلقي مساعدات من الأهل أو اللجوء إلى قروض من البنوك والأصدقاء، قد تؤدي بهم إلى المزيد من الأزمات والتعرض للسجن في حالة عدم القدرة على السداد في الأوقات المحددة، وفقًا لدراسة لـ"المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" الحكومي.
يبدي خبراء مركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأميركية دهشتهم من إصرار الحكومة على رفع الدعم عن المحروقات، ورغبتها في زيادة أسعارها عدة مرات خلال العام الجاري، رغم تراجع أسعار النفط عالميًا، الأمر الذي يساعدها في التخفيف من حدة الزيادات المقررة، وتأثيرها السلبي على الأسر منخفضة الدخل والفئات الأكثر ضعفًا جراء موجات الارتفاع في الأسعار ومعدلات التضخم.