في يوليو 2025، أعلنت شركة "شلاتين للثروة المعدنية" المصرية عن طرح مزايدة عالمية للتنقيب عن الذهب في مناطق "البرامية"، و"عنود"، و"فاطيري" في الصحراء الشرقية، في محاولة جديدة لتنشيط قطاع التعدين الذي يعاني من تراجع منذ إلغاء مزايدة سابقة في 2024 بسبب عدم تلقي عروض مناسبة
تأتي هذه خطوة ضمن مساعي نظام الانقلاب المصري لجذب الاستثمارات الأجنبية وإنعاش الاقتصاد المتعثر، أعلن مسؤول حكومي في تصريحات حصرية لـ"الشرق" أن مصر ستطرح هذا الشهر مزايدة دولية جديدة للتنقيب عن الذهب في منطقة شلاتين بالصحراء الشرقية.
وأوضح المسؤول أن المزايدة تشمل 5 قطاعات جديدة تم تحديدها بالتنسيق بين شركة "شلاتين للثروة المعدنية" وهيئة الثروة المعدنية، وستفتح أمام الشركات المحلية والعالمية.
ووفقًا للمصدر، تم تخفيف عدد من الشروط الفنية التي كانت تقف عائقًا أمام المستثمرين في المزايدات السابقة، أبرزها شروط الحد الأدنى للاستثمار وتقليل متطلبات الأعمال الاستكشافية في السنوات الأولى، وذلك لجذب عدد أكبر من الشركات في ظل تراجع اهتمام المستثمرين بالمخاطر السياسية والاقتصادية في مصر خلال السنوات الأخيرة.
الشروط المالية وآلية توزيع العوائد
تتم المزايدة وفق شروط تسمح بتوزيع الإيرادات بعد خصم الإتاوات التي تبلغ نسبتها 5%، واسترجاع التكاليف، حيث توزع الأرباح بنسبة 31% للهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وأقل من 20% لشركة "شلاتين"، وأكثر من 49% للشركة الفائزة بالمزايدة.
هذه النسب تعكس محاولة الحكومة المصرية لزيادة جاذبية الاستثمار في قطاع التعدين.
الذهب.. ملاذ اقتصادي أم مورد مستنزَف؟
يمثل قطاع الذهب أحد أبرز الموارد التي تعول عليها مصر في هذه المرحلة، خاصة مع ارتفاع الأسعار العالمية للمعدن الأصفر وتهاوي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وتعد منطقة الصحراء الشرقية، بما في ذلك "شلاتين" و"السكري"، من أكثر المناطق وعدًا بوجود رواسب ذهبية عالية الجودة.
وفي عام 2020، أعلنت مصر عن كشف تجاري في منطقة إيقات باحتياطي يقدر بأكثر من مليون أوقية ذهب بنسبة تركيز مرتفعة تصل إلى 95%.
لكن على الرغم من هذه الاكتشافات، لا تزال مساهمة الذهب في الناتج المحلي الإجمالي محدودة، فبحسب تقرير البنك المركزي المصري في يونيو 2024، فإن إجمالي عائدات صادرات الذهب خلال العام المالي الماضي لم تتجاوز 1.6 مليار دولار، في وقت تحتاج فيه مصر إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا لسد فجوة العملة الصعبة.
ما العائد الحقيقي على الاقتصاد والمواطن؟
يطرح المواطن المصري البسيط تساؤلات حادة ومشروعة: إذا كانت مصر غنية بالذهب وتُعلن كل شهر عن مشاريع جديدة، فلماذا لم يتحسن الوضع المعيشي؟ ولماذا لا تزال أسعار السلع والخدمات ترتفع بشكل جنوني؟
الإجابة تكمن في غياب الشفافية وسوء توزيع العوائد، إذ تُظهر بيانات وزارة المالية أن جزءًا كبيرًا من أرباح مشروعات التعدين يُعاد توجيهه لخدمة الدين العام، الذي بلغ حجمه نحو 173.4 مليار دولار حتى مارس 2025، بينما لا تتجاوز نسبة ما يُخصص لتحسين الخدمات الاجتماعية أو خلق فرص العمل 10%.
وفي الوقت الذي يسعى فيه النظام لتقديم نفسه كمحفز للاستثمار، تعاني بيئة الأعمال من معوقات كبيرة، أبرزها الغموض في التشريعات، وهيمنة الأجهزة السيادية على المشروعات الاقتصادية، وغياب المنافسة العادلة.
تصريحات حكومية تفتقر للمصداقية الشعبية
صرح وزير البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب طارق الملا، في يونيو 2025، بأن "قطاع التعدين سيصبح أحد أعمدة الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة"، وهو تصريح يتكرر كل عام تقريبًا دون أن ينعكس ذلك على حياة المواطنين.
ويشير مراقبون إلى أن تصريحات كهذه، رغم طابعها التفاؤلي، تفتقر إلى مصداقية على الأرض في ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى 33.4% بحسب أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويزيد الوضع سوءًا أن الحكومة لا تُفصح بوضوح عن نسب الشراكة في المشروعات بين الدولة والشركات الأجنبية، ما يثير الشكوك حول مدى استفادة الخزانة العامة من هذه الصفقات.
لماذا لا يشعر المواطن بأي إنجازات؟
رغم حديث حكومة الانقلاب المتكرر عن مشروعات قومية واكتشافات ذهبية واستثمارات أجنبية، يبقى الواقع صعبًا ومتناقضًا، أسعار المواد الغذائية والدواء في تصاعد مستمر، والدعم الحكومي للخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة يتراجع عامًا بعد عام.
الاقتصاديون يشيرون إلى أن معظم المكاسب الاقتصادية من مشروعات الذهب وغيرها تذهب إلى النخبة المرتبطة بالنظام، بينما تتحمل الطبقة المتوسطة والفقيرة أعباء التقشف وسوء الإدارة، ويؤكد تقرير للبنك الدولي في أبريل 2025 أن "تحقيق عوائد ملموسة للمواطنين يتطلب إصلاحًا جذريًا لهيكل الحوكمة، وإعادة توزيع الموارد بشكل عادل، وضمان الشفافية في إدارة الثروات الطبيعية".
مزايدة الذهب في شلاتين قد تمثل فرصة جديدة لإنعاش الاقتصاد المصري المتدهور، لكنها وحدها لا تكفي لإنقاذ المواطن من أزماته المتلاحقة.