الحريق الضخم الذي التهم سنترال رمسيس، أحد الأعمدة الحيوية في شبكة الاتصالات المصرية كشف العوار الصارخ في بنية الدولة التحتية، وضعف استعدادها للطوارئ، وهشاشة قدرتها على إدارة الأزمات.
فلم يكن الحريق مجرد حادث عرضي في مبنى إداري، بل زلزال رقمي، يُفترض أن ينتمي إلى العقود الماضية، لا إلى عام 2025.
فالدولة أهدرت مليارات الدولارات من أجل تجنب مثل تلك اللحظات وأنفقت الترليونات لتطوير وتحسين عمليات الحوكمة في مختلف القطاعات، سواء كانت حكومية أو خاصة، لكن الواقع أثبت أن تلك الأموال التي اجتثت من قوت الفقراء، أهدرت دون جدوى
عقب الحريق، شهدت مناطق واسعة من القاهرة والجيزة والدلتا انقطاعًا شبه تام في خدمات الاتصالات والإنترنت، ما أثّر على حياة الملايين، وعطّل قطاعات حيوية كالمستشفيات، البنوك، وشركات الشحن، والخدمات الحكومية الإلكترونية.
وتساءل الخبراء مع صرف تلك التريليونات لماذا شبكة الدولة المركزية غير مؤمنة على نحو احترافي؟ ولماذا لا توجد بدائل احتياطية، ولا توزيع عادل للبنية التحتية الرقمية، مستنكرين أن مجرد حريق في سنترال واحد كان كفيلًا بإغراق العاصمة رقمياً.
وأردفوا بدلًا من أن تعلن الدولة خطة طوارئ واضحة، وتشرح للناس ما يجري، غابت الشفافية، وتُرك المواطنون رهينة الشائعات وغياب المعلومات.
لم تصدر وزارة الاتصالات بيانًا فوريًا يشرح الوضع، وتأخرت شركات الاتصالات في توضيح نطاق الانقطاع، أو تقديم حلول بديلة.
وتابعوا أن الأدهى أن الحريق وقع في منطقة مركزية، يفترض أن تكون محمية بالكامل بكاميرات، وأجهزة إنذار مبكر، وأنظمة إطفاء ذاتية.
فأين ذهبت تريليونات الجنيهات التي تنفقها الدولة على "التحول الرقمي"؟
وأكد الخبراء أن تعطل الإنترنت لا يؤثر فقط على الراحة اليومية، بل يمس الأمن القومي مباشرة. فكل البنية التكنولوجية للدولة من خدمات الطوارئ وحتى نظم المرور والبنوك تعتمد على الاتصال الرقمي.
ما حدث يطرح تساؤلات خطيرة:
- ماذا لو كان الحريق بفعل فاعل؟
- ما خطة الدولة لتأمين مراكز الاتصالات من الهجمات أو الكوارث؟
- ولماذا لا توجد شبكة بديلة لا مركزية لضمان استمرارية الخدمات؟
النتائج والتداعيات
تعطلت الحياة اليومية للملايين، خاصةً أصحاب الأعمال الحرة والتجارة الإلكترونية.
توقفت أعمال الشركات والبنوك التي تعتمد على الشبكات الرقمية.
انهارت ثقة المواطنين في قدرة الدولة على توفير خدمات أساسية مستقرة.
كشفت الأزمة غياب الجاهزية والافتقار إلى أي نظام بديل فعال.
الخلاصة: الدولة التي تُطفئ الحرائق بدل أن تمنعها
حريق سنترال رمسيس لم يُفجر مبنى، بل فجّر وهم "التحول الرقمي" الذي تتباهى به الحكومة ليل نهار. نحن أمام دولة تدير القرن الـ21 بعقلية القرن الـ20، لا تؤمن بالوقاية، ولا تمتلك بنية تحتية احترافية، ولا تتعامل مع المواطنين كشركاء لهم حق المعرفة والثقة.
ما نحتاجه ليس فقط إعادة بناء السنترال، بل إعادة بناء الفلسفة التي تُدار بها البنية الرقمية للدولة. فلسفة تقوم على التوزيع، الأمان، الشفافية، والتخطيط طويل الأمد... لا على "الترقيع" بعد وقوع الكارثة.
وأهدرت الحكومة المليارات من أجل توفير خدمات الاتصالات والانترنت المقدمة للمواطنين، لكن دائما ما يشتكي المواطنين من البطء والنقطاع المتكرر في الخدمات.
وتم إهدار الأموال من أجل تغيير الكابلات النحاسية بشبكة كابلات الألياف الضوئية فى قرى حياة كريمة بالريف المصري لتطوير خدمات الإنترنت فائق السرعة لنحو 60 مليون مواطن في نحو 4500 قرية، بعدما تم إنفاق 3.5 مليار دولار فى تطوير البنية التحتية الرقمية لكن ذلك لم يساهم في تحسين سرعة الانترنت وإرضاء العملاء مقابل الخدمات التي رفعتها الحكومة عليهم
وشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تحولًا نوعيًا من كونه قطاعًا خدميًا لتقديم خدمات الاتصالات للمواطنين إلى قطاع اقتصادي يلتهم أموالهم.
ووفق بيانات مجلس الوزراء وتصريحات مسؤولي المنظومة، بلغ عدد الشكاوى بين يوليو 2017 ويوليو 2021 نحو 3.2 ملايين شكوى وطلب واستغاثة، ونجحت المنظومة في حل 89% منها، وكان النصيب الأكبر منها في عامي 2020 و2021 يتعلق بالنواحي الصحية في ظل انتشار فيروس كورونا.
وبحلول نهاية مايو 2022 وصل عدد الشكاوى إلى أكثر من 4.25 ملايين شكوى وطلب واستغاثة، وفق تصريحات مدير المنظومة طارق الرفاعي.
وفي عام 2023 و تلقت المنظومة نحو 6مليون شكوى وطلب واستغاثة ، بينما بلغ عدد الشكاوى في عام 2024 9مليون شكوى وسجلت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 الجاري نحو 2 مليون شكوى.
خسائر حريق «سنترال رمسيس»
وتسبب الحريق في تعطيل خدمات الاتصال بالطوارئ مع قطع الحرارة عن التليفونات الأرضية في نطاق عدة أحياء بوسط القاهرة، فيما أعلنت وزارة الصحة أرقاماً بديلة للتواصل مع الإسعاف بالمحافظات مع عدم القدرة على الاتصال بالنجدة والجهات الطارئة.
وأدى تعطل خدمات الإنترنت إلى توقف خدمات المدفوعات الإلكترونية بشكل كامل، وعدم القدرة على الوصول إلى أي معاملات مالية، سواء من خلال تطبيقات البنوك أو تطبيقات المعاملات المالية، فيما واجه المترددون على البنوك (الثلاثاء) مشاكل في عدم القدرة على سحب الأموال من حساباتهم ببعض الفروع.
وقرر البنك المركزي بشكل مؤقت رفع الحد الأقصى اليومي لعمليات السحب النقدي من فروع البنوك بالعملة المحلية إلى 500 ألف جنيه للأفراد والشركات بدلاً من 250 ألف جنيه في ضوء الظروف الاستثنائية الناتجة عن انقطاع خدمات الإنترنت.
وقررت البورصة المصرية تعليق التعاملات (الثلاثاء) على خلفية تأثر خدماتها بانقطاع الإنترنت، وأكدت في بيان أن قرار تعليق التعامل جاء لضمان تكافؤ الفرص بين المتعاملين.
وتسبب الحريق في إرباك بحركة التشغيل في مطار القاهرة الدولي على خلفية العطل في شبكات الاتصالات والإنترنت مما أدى لتأخير 33 رحلة جوية كان يفترض أن تقلع خلال الساعات الأولى التي تلت الحريق، حيث جرى إعادة جدولتها مرة أخرى بحسب بيان رسمي لوزارة «الطيران المدني» (الثلاثاء).
واشتكى عدد كبير من المواطنين من نفاد الأموال «الكاش» التي كانت بحوزتهم مع اشتراط أي مكان يرغبون في التعامل معه الحصول على الأموال نقداً، سواء كانت مطاعم أو محطات تزود بالوقود، في وقت توقف فيه السيستم الخاص بشحن عدادات الكهرباء، وتأثر تقديم الخدمات بعدد من الجهات الحكومية المرتبطة بالإنترنت في مصر.
ورغم إعلان الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي عدم تأثرها بالحريق ومشكلة الإنترنت، فإن غالبية القنوات العاملة لم تتمكن من البث المباشر على خلفية الحريق، بالإضافة إلى وجود صعوبات بالاتصالات أثرت على البث التلفزيوني لكن لم تتسبب في انقطاعه.