في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، أصدرت عشرات المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية بيانًا مشتركًا أعربت فيه عن صدمتها العميقة وقلقها البالغ من الارتفاع الكبير في عدد الإعدامات التي نفذتها السلطات السعودية خلال العام الجاري 2025، محذّرة من أن المملكة تسير بخطى متسارعة نحو تسجيل رقم قياسي جديد في تاريخها الحديث في تنفيذ أحكام الإعدام، في وقت تسعى فيه لتقديم نفسها أمام العالم كدولة إصلاحية وحديثة منفتحة على العالم.

ووفقًا للبيان الصادر عن أكثر من ثلاثين منظمة حقوقية من مختلف القارات، فإن السعودية نفّذت ما لا يقل عن 292 حكمًا بالإعدام منذ بداية العام وحتى التاسع من أكتوبر الجاري، بينهم أربع نساء، في مؤشرٍ على تصاعد غير مسبوق في استخدام هذه العقوبة، بما يخالف التزامات المملكة الدولية وتعهداتها السابقة بتقييد اللجوء إلى الإعدام.
 

ارتفاع مقلق وتراجع عن وعود سابقة
البيان الحقوقي أشار إلى أن 195 حالة من الإعدامات تعلّقت بجرائم مرتبطة بالمخدرات، وهو ما يشكّل أكثر من ثلثي الإجمالي، من بينهم 151 شخصًا من الأجانب القادمين من دول آسيوية وإفريقية فقيرة. وتوزّعت الجنسيات كالتالي: 38 من الصومال، 30 من إثيوبيا، 23 من باكستان، 16 من مصر، و12 من أفغانستان.

هذا التطور، بحسب المنظمات، يأتي بعد التراجع عن قرار وقف تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات الذي كان ساريًا لمدة 33 شهرًا، بين فبراير 2020 ونوفمبر 2022، وهو ما اعتُبر في حينه خطوة إصلاحية باتجاه الحد من العقوبة القاسية، قبل أن يتم العدول عنها دون تفسير واضح.

وأضاف البيان أن عشرات السجناء الآخرين يواجهون خطر الإعدام الوشيك على خلفية قضايا لا تتضمن جرائم قتل، وهو ما اعتبرته المنظمات انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يقيّد تطبيق عقوبة الإعدام فقط في “أخطر الجرائم” أي تلك التي تنطوي على القتل العمد.
 

انتهاكات جسيمة تطال الأجانب والمحاكمات
وكشفت المنظمات الحقوقية، استنادًا إلى وثائق قضائية وشهادات موثوقة، عن نمط متكرر من الانتهاكات التي يتعرض لها المتهمون الأجانب خلال مراحل الاعتقال والمحاكمة.
وشملت الانتهاكات:

  • الحرمان من الدعم القنصلي
  • غياب المحامين أو ضعف التمثيل القانوني
  • نقص خدمات الترجمة
  • عدم تمكين المتهمين من الاطلاع على ملفات قضاياهم أو وثائق المحكمة.

وأكد البيان أن هذه الممارسات تؤدي إلى “استحالة إعداد دفاع قانوني سليم أو تقديم استئناف فعّال”، الأمر الذي يفرغ العدالة من مضمونها ويحوّل الإعدامات إلى أداة للردع والخوف.
 

الإعدام كسلاح سياسي.. وقضايا رأي تُعاقب بالموت
المنظمات الموقعة أعربت عن قلقها العميق من تزايد استخدام تهم الإرهاب في محاكمات المعارضين والناشطين. فبحسب البيان، تم إعدام 34 شخصًا هذا العام بتهم مرتبطة بالإرهاب، وهي تهم يُعرّفها القانون السعودي بطريقة فضفاضة تسمح بتجريم أنشطة سلمية.

وأشار البيان إلى قضية الصحفي السعودي تركي الجاسر، الذي أُعدم في 14 يونيو الماضي بعد سبع سنوات من الاختفاء القسري، باعتبارها "رمزًا لتسليح العدالة" ضد حرية التعبير. كما لا يزال العالمان سلمان العودة وحسن فرحان المالكي يواجهان أحكامًا محتملة بالإعدام، بعد محاكمات مطولة على خلفية تهمٍ “غامضة وغير محددة”.
 

إعدام قاصر يُسقط الوعود الزائفة
ومن القضايا التي أثارت صدمة واسعة، إعدام الشاب جلال اللبّاد في أغسطس الماضي، رغم أن الجرائم المنسوبة إليه تعود إلى فترة كان فيها قاصرًا.
وأوضح البيان أن اللبّاد، المولود في أبريل 1995، اعتُقل لمشاركته في احتجاجات 2011-2012 في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، وحُكم عليه بالإعدام بعد محاكمة اعتُبرت "جائرة للغاية" اعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.

إعدامه، بحسب المنظمات، نسف تمامًا ادعاءات السعودية بأنها أنهت إعدام القاصرين. وأشارت إلى وجود عدد من القُصّر الآخرين على قائمة الإعدام في انتظار المصادقة الملكية، منهم عبدالله الدرازي ويوسف المناصف وعلي حسن السبيتي وجواد قريريص وحسن الفرج.
 

أرقام قياسية وغياب للشفافية
تعدّ السعودية من أكثر دول العالم تنفيذًا لأحكام الإعدام. فبحسب البيانات الرسمية، نفّذت السلطات 345 حكمًا بالإعدام عام 2024، وهو أعلى رقم سنوي منذ عام 1990.
لكن المنظمات الحقوقية رجّحت أن الأعداد الحقيقية أكبر بسبب تنفيذ بعض الإعدامات سرًا دون إخطار مسبق لعائلات الضحايا، وغياب سجل عام يوثّق الحالات المنفّذة.

وذكرت المنظمات أن هذا الغياب للشفافية "يُقوّض الثقة في النظام القضائي ويجعل من المحاسبة أمرًا مستحيلًا".
 

تناقض بين الصورة الدعائية والواقع الحقوقي
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه هذه الانتهاكات، تستمر الحكومة السعودية في محاولة إعادة تقديم نفسها كقوة تقدمية حديثة عبر مشاريع ضخمة مثل "نيوم"، واستثمارات رياضية عالمية واستضافة فعاليات فنية وترفيهية كبرى، بينها مهرجان الرياض للكوميديا واستعدادات استضافة كأس العالم 2034.

وقالت المنظمات إن هذا “التناقض الصارخ بين الواقع القمعي وصورة الانفتاح المزيفة” يعكس سياسة “تبييض القمع” التي تنتهجها السلطات عبر المال والرياضة والثقافة.
 

دعوات إلى تحرك دولي عاجل
في ختام البيان، طالبت المنظمات الحقوقية المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بـالتحرك العاجل للضغط على السعودية لوقف تنفيذ أحكام الإعدام، ومراقبة ما وصفته بـ“التصعيد الممنهج في استخدام العقوبة كسلاح سياسي”.

كما دعت إلى:

  • فرض وقف فوري لتنفيذ الإعدامات تمهيدًا لإلغائها الكامل
  • تعديل القوانين التي تُجرّم الأفعال غير العنيفة بعقوبة الموت
  • استبدال أحكام الإعدام بعقوبات بديلة تراعي المعايير الدولية
  • ضمان الشفافية والرقابة المستقلة على السجون والمحاكم
  • والإفراج عن جميع السجناء المحكومين بسبب نشاطهم السلمي أو آرائهم السياسية.
     

قائمة المنظمات الموقعة
وشملت قائمة المنظمات الموقّعة على البيان كلًّا من:

  • منظمة العفو الدولية
  • القسط لحقوق الإنسان
  • الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  • فير سكوير
  • ريبريف
  • سيناء لحقوق الإنسان
  • المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان
  • المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
  • المنبر المصري لحقوق الإنسان
  • المفوضية المصرية للحقوق والحريات
  • تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان الصوماليين
  • مركز الخليج لحقوق الإنسان
  • مركز كورنيل لعقوبة الإعدام في جميع أنحاء العالم
  • الأكاديمية الدبلوماسية الإفريقية
  • منظمة “منّا لحقوق الإنسان”

إلى جانب عدد من النقابات والمؤسسات القانونية والحقوقية من آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

https://www.facebook.com/EIPR.org/posts/1278751297612047?ref=embed_post