مأزق المصريين مع سد النهضة: كثير من التنديد قليل من الأفعال!! وتعنت إثيوبي متواصل
الأحد 6 يوليو 2025 10:00 م
في ظل استمرار التعنت الإثيوبي بشأن أزمة سد النهضة، تجد مصر نفسها محاصرة في مربع التصريحات الحادة والتهديدات الكلامية، دون أي خطوات فعلية لردع أديس أبابا أو ضمان حقوقها التاريخية في مياه النيل. وبينما بات السد الإثيوبي أمراً واقعاً على الأرض، تنزلق أزمة المياه إلى مستويات أكثر حرجاً، في وقت يتصاعد فيه التوتر الإقليمي ويختلط بملفات أمن البحر الأحمر والمنافذ البحرية.
ومع دخول موسم فيضان النيل من الهضبة الإثيوبية في الأول من يوليو، ازدادت المخاوف المصرية من تفاقم الضرر، في ظل غياب أي تقدم ملموس في المفاوضات المجمدة منذ أشهر طويلة. فكل المؤشرات تشير إلى طريق مسدود، بعد فشل كافة المبادرات الوسيطة لإحياء الحوار الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا.
تصريحات مصرية... بلا أدوات ضغط
وزير خارجية عبدالفتاح السيسي، بدر عبد العاطي، وفي تصريحات إعلامية أكد أن "الدولة لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بالمساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل"، مشيراً إلى أن تلك الحصة التي تُقدَّر بـ55.5 مليار متر مكعب، تمثل مسألة وجودية لا تقبل التنازل أو التفاوض.
لكن رغم الحدة الظاهرة في الخطاب، يدرك الجميع أن الموقف المصري يفتقر لأي أدوات ضغط فعالة، في ظل استمرار أديس أبابا في فرض أمر واقعها، ورفضها الاعتراف بالاتفاقيات السابقة التي تحدد حصص المياه، متذرعة بأنها وقّعت في عهد الاستعمار البريطاني.
تعنت إثيوبي وإغلاق أبواب الوساطة
وبحسب ما كشفه مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى، فإن محاولات وساطة إقليمية جديدة باءت بالفشل بعد أن رفضت أديس أبابا التجاوب معها.
ويأتي هذا في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعداً في التوترات، خصوصاً بعد توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم صوماليلاند - غير المعترف به دولياً - للحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر عبر ميناء "بربرة"، ما أثار استياء شديداً لدى الحكومة المركزية في الصومال، وكذلك لدى مصر التي رأت في الخطوة تهديداً مباشراً لأمن البحر الأحمر.
وأشار المصدر إلى أن مصر كانت على استعداد لقبول فتح نقاش حول حق إثيوبيا في منفذ بحري دائم، بشرط أن تبدي الأخيرة التزاماً واضحاً بحل أزمة سد النهضة، وتوقيع اتفاق قانوني ملزم حول قواعد تشغيله، لكن إثيوبيا تجاهلت تلك الإشارات وواصلت التصعيد.
الربط بين السد والمنافذ البحرية يضعف الموقف المصري
من جانبه، انتقد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، تصريحات وزير الخارجية، معتبراً أنها غير موفقة، لأنها تربط بين ضرر السد وتطورات أزمة البحر الأحمر، ما قد يضعف الموقف المصري أمام المجتمع الدولي.
وقال شراقي في تصريحات: "الوزير أوحى أن مصر لم تتعرض لأضرار بعد، وهو غير صحيح، لأن الدولة اضطرت فعلياً إلى استخدام 25 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة للزراعة، بتكلفة تتجاوز 375 مليار جنيه"، موضحاً أن كل متر مكعب من هذه المياه يكلف نحو 15 جنيهاً.
الحل العسكري مستبعد والمأزق يتعمّق
رغم تصاعد الأزمة، استبعد شراقي أي حلول عسكرية، مؤكداً أن خيار المواجهة المسلحة لم يعد مطروحاً في ظل المعادلات الإقليمية والدولية الحالية. واعتبر أن الطريق الوحيد المتاح أمام مصر هو إعادة تفعيل الملف السياسي والدبلوماسي، قبل إعلان إثيوبيا التشغيل الكامل للسد، وهي خطوة باتت وشيكة.
وحذّر شراقي من أن إثيوبيا لا تكتفي بالسد الحالي، بل تخطط لإنشاء سدين جديدين، إلى جانب مطالبتها المتكررة بحصة رسمية من مياه النيل تقدر بنحو 20 مليار متر مكعب، وهو ما يهدد مستقبل الأمن المائي في دولتي المصب مصر والسودان.
انعدام الخيارات... ومخاوف من المستقبل
تبدو الصورة قاتمة: سد النهضة اكتمل ملؤه بالفعل، والضرر بدأ يتسلل إلى الداخل المصري، بينما لا تزال المفاوضات مجمدة، والبيانات الرسمية تكرر نفسها دون أثر فعلي. وأمام تلك المعادلة المعقدة، لا تمتلك القاهرة حتى اللحظة سوى لغة التنديد والوعيد، بينما تستمر أديس أبابا في فرض واقع جديد يهدد أمن وحقوق أكثر من 100 مليون مصري.