جددت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مطالبتها لسلطات عبدالفتاح السيسي، بالتصديق الفوري على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وهي الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2006، ودخلت حيز التنفيذ في 2010، دون أن توقع أو تصادق عليها مصر حتى اليوم، رغم تفشي هذه الجريمة على نطاق واسع في البلاد خلال العقد الأخير.

وفي بيان نُشر عبر الصفحة الرسمية للمفوضية على موقع "فيسبوك"، أشارت المنظمة إلى موافقة الحكومة خلال جلسات المراجعة الدورية الشاملة (UPR) في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي، على توصية مقدمة من عشر دول منها فرنسا، المكسيك، أوكرانيا، وكوت ديفوار، تطالب مصر بالتصديق على الاتفاقية الدولية. إلا أن المفوضية شددت على أن هذه الموافقة الشكلية "لا تكفي"، ما لم تتبعها خطوات تنفيذية واضحة، تبدأ بالتوقيع الرسمي والتصديق البرلماني، مرورًا بتعديل القوانين، وصولًا إلى تغيير السياسات الأمنية القائمة.

 

اتفاقيات لا تُفعَّل.. وتوصيات يتم تجاهلها

وقالت المفوضية إن حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" التي أطلقتها عام 2015، لطالما طالبت بتوقيع الاتفاقية والانضمام إليها كخطوة أساسية نحو وقف هذه الجريمة. وأضافت: "كفى تجاهلًا للتوصيات وغياب الإرادة السياسية الجادة للانخراط في حماية المواطنين من جريمة لا تزال تُمارس بشكل ممنهج وواسع في مصر".

وبحسب المفوضية، فإن حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" رصدت ووثقت منذ أغسطس 2015 وحتى أغسطس 2024، ما مجموعه 4677 حالة اختفاء قسري، بينها 438 حالة جديدة خلال آخر 12 شهرًا فقط، بينهم 19 امرأة. ووصفت المفوضية هذه الأرقام بأنها "مروعة" وتعكس فشل الدولة في الالتزام بحماية الحقوق الأساسية للمواطنين.

 

ضعف تشريعي وتواطؤ مؤسسي

تُظهر تقارير المنظمات الدولية أن التشريعات المصرية لا تُعرِّف الاختفاء القسري بشكل صحيح، ولا تُجرِّمه كجريمة منفصلة، ما يسهل ارتكابه من قبل الأجهزة الأمنية دون مساءلة. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أشارت إلى أن مصر تفتقر إلى الإطار القانوني اللازم لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة، في حين تستمر في الإنكار الرسمي أو التلاعب بالمصطلحات.

وفي هذا السياق، طالبت المفوضية بتجريم الاختفاء القسري صراحةً في القوانين المحلية، مع ضرورة إنشاء آلية وطنية لتوثيق الحالات، وتلقي شكاوى الضحايا وذويهم، وإنشاء هيئة مستقلة لجبر ضرر الضحايا، وتقديم المسؤولين للعدالة، لضمان عدم الإفلات من العقاب.

 

الأمم المتحدة: مصر مطالبة بإغلاق مقار الاحتجاز السرية

ويأتي هذا الضغط الحقوقي بالتزامن مع ما أصدره الفريق الأممي للاستعراض الدوري الشامل من تقرير شامل في يناير الماضي، بعد مراجعة سجل مصر الحقوقي، حيث شمل التقرير 343 توصية حقوقية مقدمة من 137 دولة، من أبرزها: مكافحة الإخفاء القسري، إنهاء تدوير المحتجزين، الإفراج عن السجناء السياسيين، وضمان حرية الإعلام.

كما طالبت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة حكومة عبدالفتاح السيسي، بـ"إغلاق جميع أماكن الاحتجاز غير الرسمية"، و"تجريم الإخفاء القسري بشكل صريح"، والتحقيق في كافة الحالات الموثقة، بما يضمن محاسبة الجناة وتعويض الضحايا.

 

بالأرقام.. الانتهاكات تتفوق على المبادرات

ورغم إعلان الحكومة في 2021 عن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وما تبعها من إطلاق لـ"الحوار الوطني"، إلا أن الواقع لا يعكس أي تحسن جوهري، حيث لا تزال ممارسات الاحتجاز التعسفي والتدوير والمحاكمات السياسية تُمارس على نطاق واسع.

فخلال الفترة من إبريل 2022 وحتى نوفمبر 2024، تشير الإحصائيات إلى أن ما لا يقل عن 6736 شخصًا تم احتجازهم في قضايا أمن دولة، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف عدد المفرج عنهم (2302 شخص فقط)، وفق ما تؤكده منظمات محلية ودولية. وبينما شهدت الأسابيع الماضية ظهور 47 مختفيًا قسريًا، فإن هذا لا يمثل سوى بصيص أمل في بحر من الظلم والانتهاكات المستمرة، بحسب وصف المفوضية.

 

التصديق على الاتفاقية.. التزام قانوني وليس رمزياً

اختتمت المفوضية بيانها بالتأكيد على أن التصديق على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ليس خطوة رمزية أو دعائية، بل التزام قانوني دولي يُلزم الدولة بوضع حد لهذه الجريمة، ويؤسس لمسار واضح للمحاسبة والعدالة.

ودعت إلى إحالة التوصية إلى السلطات المختصة لبدء إجراءات التصديق الرسمي، وعرضها على البرلمان للنقاش العام واتخاذ القرار النهائي، مشددة على ضرورة وقف السياسات الأمنية التي تكرّس ثقافة القمع، وتكفل حقوق الإنسان وحمايتها من الانتهاك.