صدر إعلان بريكس من ريو دي جانيرو في 7 يوليو 2025، حاملاً واحدًا من أوضح المواقف الدولية وأكثرها صراحة تجاه عدوان إسرائيل على غزة والأزمة الفلسطينية عامة، حسبما أفاد ميدل إيست مونيتور. بينما تبقى القوى الغربية في موقع المراوغة، وتحافظ رابطة آسيان على الحياد الحذر، اختار تكتل بريكس تسمية الأمور كما هي: حرب عدوانية، لا دفاعية.
استخدم البيان لغة غير معتادة في المنتديات الدبلوماسية، حيث أشار إلى استخدام التجويع كسلاح حرب، وأدان عرقلة وصول المساعدات، وأبدى "قلقًا بالغًا" إزاء استمرار الهجمات على غزة. لا تعتبر هذه العبارات مجرد عبارات رمزية، بل تمثل تحوّلًا في الموقف، خاصة في ظل رفض القوى الغربية تسمية ما يجري بأنه جرائم حرب وربما إبادة جماعية، كما أشار قرار محكمة العدل الدولية.
أهمية الإعلان لا تتوقف عند اللغة، بل تمتد إلى الإشارة إلى الإجراءات المؤقتة التي أقرتها المحكمة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل. عندما يستشهد تكتل بحجم بريكس بحكم قضائي دولي، يضع السلوك الإسرائيلي في خانة الأزمة القانونية والأخلاقية، لا مجرد نزاع سياسي، ويُرسل رسالة بأن إسرائيل لا تستطيع الإفلات من العقاب خارج مظلة الحماية الغربية.
أبرز البيان كذلك دعمه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في وقت أوقفت فيه الولايات المتحدة تمويل الوكالة تحت ذرائع سياسية واهية. يمثل هذا الموقف دعمًا رمزيًا وعمليًا في الوقت نفسه، ويعيد التأكيد على حق العودة، وهو حق ثابت في القانون الدولي لكنه غائب عن خطاب "حل الدولتين".
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، بقي إعلان بريكس متمسكًا بإطار الدولتين، داعيًا لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ضمن حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. لكن الواقع تجاوز هذا الإطار. إسرائيل تسيطر على كامل الأرض من النهر إلى البحر. الاستيطان في الضفة لا يمكن عكسه. حصار غزة أصبح نظامًا دائمًا. المواطنون الفلسطينيون داخل إسرائيل يعيشون تحت قوانين ترسّخ وضعًا من الدرجة الثانية. قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة لم يعد ممكنًا ضمن هذه المعطيات. هناك دولة واحدة قائمة، لكنها دولة فصل عنصري.
أي مشروع جاد لتحرير فلسطين لا بد أن يبدأ بالاعتراف بفشل التقسيم، وبناء مستقبل على أساس المساواة في الحقوق.
تُعد بريكس، بتبنّيها شعارات التضامن المناهض للاستعمار والحكم الشامل، مرشحة طبيعية لقيادة هذا التحول في الرؤية. لكن بالتمسك بالصيغة التقليدية، يساهم التكتل في إطالة عمر وهم دبلوماسي أصبح غطاءً لتأجيل الحلول الحقيقية.
ولكي تتجاوز بريكس مرحلة الأقوال، لا بد أن تُفعّل أدواتها. التكتل يمتلك أوراق ضغط اقتصادية ودبلوماسية لم يُستخدم معظمها بعد. دعم القضية الفلسطينية يتطلب إجراءات فعلية: فرض عقوبات على الشركات والمؤسسات المتورطة في الفصل العنصري، حظر بيع السلاح أو التعاون العسكري، تنسيق الاعتراف القانوني بالحقوق الفلسطينية أمام المحاكم الدولية. أدان الإعلان التهجير القسري والهندسة الديموغرافية، لكن لم يُوضح كيف سيتصرف التكتل إذا استمرت هذه الجرائم.
في بند آخر، شدد البيان على "أهمية توحيد الضفة وغزة تحت سلطة واحدة". صحيح أن الوحدة ضرورية، لكن دعم السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية يطرح إشكالات، فهي غير منتخبة، ضعيفة، ويتهمها كثير من الفلسطينيين بالتواطؤ مع الاحتلال. لا تكفي إصلاحات داخل السلطة. أي حل سياسي يجب أن ينبع من الشرعية الفلسطينية الداخلية، لا من تفضيلات المجتمع الدولي.
تلعب إندونيسيا، بصفتها عضوًا في بريكس وصاحبة موقف مبدئي طويل الأمد تجاه فلسطين، دورًا محوريًا في صياغة الخطوات التالية. تمتلك البلاد سجلًا من الأصوات الواضحة داخل آسيان، ويمنحها موقعها في بريكس منصة أوسع لقيادة الحوار نحو مقاربة تقوم على الحقوق، وتحترم القانون الدولي، وتتبنى منطق ما بعد الاستعمار.
لا يطلب الفلسطينيون صدقات. يطلبون حرية وكرامة ومساواة. إعلان بريكس يشير إلى هذا الطريق، لكنه لم يسمِّ العقبة الرئيسية: نظام الفصل العنصري الذي يحكم حياتهم.
كلمات بريكس مرحب بها، لكنها ليست كافية. اللحظة الحالية لا تحتاج إلى مزيد من التصريحات، بل إلى فعل. التضامن الحقيقي يقتضي مواجهة أصل الاحتلال، لا مجرد أعراضه. على الفلسطينيين أن يسمعوا الآن صوت القوة، لا الخطابات.