في خطوة لافتة، أعلن البنك المركزي المصري يوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 عن رفع الحد الأقصى اليومي لعمليات السحب النقدي من البنوك بالعملة المحلية إلى 500 ألف جنيه للأفراد والشركات، بدلاً من 250 ألف جنيه، وذلك بشكل مؤقت لحين عودة خدمات الاتصالات إلى طبيعتها.
جاء هذا القرار في ظل تحديات تقنية أثرت على الخدمات المصرفية الإلكترونية، ما دفع المركزي لاتخاذ إجراءات استثنائية لضمان استمرارية الأعمال وتلبية احتياجات المواطنين والشركات من السيولة النقدية.
شهدت مصر خلال الأشهر الأخيرة اضطرابات في خدمات الاتصالات أثرت بشكل مباشر على عمليات السحب والإيداع الإلكترونية، ما دفع البنك المركزي إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتسهيل التعاملات النقدية وضمان استقرار النظام المالي.
وأوضح البنك المركزي أن هذه الزيادة مؤقتة وستتم مراجعتها فور استقرار الأوضاع التقنية وعودة الخدمات إلى طبيعتها.
تأتي هذه الخطوة في سياق سلسلة من الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي خلال العامين الماضيين لمواجهة تداعيات التضخم وتراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، إذ سبق ورفع حدود السحب النقدي للأفراد والشركات عدة مرات خلال عامي 2024 و2025 استجابةً للتطورات الاقتصادية واحتياجات السوق المحلي.
تفاصيل القرار
- تاريخ الإعلان: 8 يوليو 2025
- الحد الأقصى الجديد للسحب اليومي: 500 ألف جنيه للأفراد والشركات
- الحد الأقصى السابق: 250 ألف جنيه
- مدة القرار: مؤقتة حتى عودة الاتصالات إلى طبيعتها
- هدف القرار: تسهيل التعاملات النقدية وضمان استمرارية الأعمال وتلبية احتياجات الأفراد والشركات من السيولة.
يرى محمد عبد العال وكان يشغل عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس السابق أن رفع حدود السحب النقدي جاء استجابة لمجموعة من العوامل الاقتصادية، أبرزها ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، ما أدى إلى زيادة احتياجات الأفراد والشركات للسيولة اليومية.
وأكد أن القرار يهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتسهيل العمليات المصرفية، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة الطلب على النقد لتغطية النفقات التشغيلية ودفع رواتب الموظفين وتسوية مستحقات الموردين.
بينما أكد أحمد آدم الخبير المصرفي ومدير سابق بالبنك الوطني للتنمية أن القرار يمنح دفعة قوية للنشاط التجاري، خاصة في القطاعات التي تعتمد على النقد مثل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
وشدد على أهمية تعزيز البنوك لأنظمة مكافحة غسل الأموال وتشديد الرقابة على المعاملات المالية، لتفادي أي أنشطة مشبوهة قد تنجم عن رفع حدود السحب النقدي.
وأوضح رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية أن القرار يعكس رغبة البنك المركزي في تحفيز النشاط الاقتصادي وتسهيل حركة الأموال داخل السوق، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه.
وأشار إلى أن رفع حدود السحب يساعد على تعزيز السيولة لدى الأفراد والشركات في ظل ارتفاع الأسعار، ما ينعكس إيجابًا على حجم الاستهلاك المحلي.
الأرقام والمؤشرات الاقتصادية
- معدل التضخم: ارتفع إلى 26.5% في أكتوبر 2024 مقارنة بـ26.4% في الشهر السابق، مدفوعًا بارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية.
- سعر صرف الدولار: ارتفع الدولار أمام الجنيه المصري من 48 إلى نحو 51 جنيهًا خلال الأيام الأخيرة التي سبقت القرار، ما زاد من الحاجة إلى سيولة نقدية أكبر في السوق.
- احتياطي النقد الأجنبي: سجل ارتفاعًا في مايو 2025 ليصل إلى 48.526 مليار دولار مقارنة بـ48.144 مليار دولار في أبريل 2025.
- تحويلات المصريين بالخارج: بلغت نحو 26.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2024 إلى مارس 2025، محققة زيادة بنسبة 82.7% على أساس سنوي.
هل فشلت الرقمنة؟
تشير تقارير رسمية إلى أن أكثر من 60 % من المعاملات المالية في مصر لا تزال تعتمد على النقد المباشر (الكاش)، رغم الحملات المتكررة منذ 2018 للترويج لمجتمع "لا نقدي".
وقد كشف تقرير للبنك الدولي في عام 2024 أن مصر تحتل المرتبة 120 من أصل 146 دولة في مؤشر كفاءة أنظمة الدفع الرقمي، وهي مرتبة تعكس هشاشة المنظومة أمام أي طارئ تقني أو اختراق محتمل.
ومع تكرار الأعطال خلال الأشهر الأخيرة، يتصاعد التساؤل حول مدى فاعلية استراتيجية الرقمنة، في ظل غياب استثمارات حقيقية في البنية التحتية الرقمية، واعتماد البنوك على مزودي خدمة محليين ضعفاء، وفق ما ذكره مصدر سابق بالبنك الأهلي.
أبعاد سياسية.. الثقة في النظام المصرفي تتآكل
تأتي هذه التطورات وسط مناخ سياسي واقتصادي مضطرب، حيث تتزايد الشكوك بشأن قدرة النظام على إدارة الأزمات بشكل مؤسسي.
ويحذر مراقبون من أن مثل هذه القرارات تعمق فجوة الثقة بين المواطن والمصارف، خاصة في ظل حالات سابقة شهدت قيودًا مفاجئة على السحب وتحويل الدولار، وتجميد أرصدة بعض الشركات دون قرارات قضائية واضحة.
يقول النائب السابق أحمد طنطاوي: "نحن أمام مشهد يعيد للأذهان أجواء ما قبل انهيارات اقتصادية في دول أخرى، حيث تبدأ القصة بعطل فني وينتهي الأمر بتجميد أرصدة وفرض قيود صارمة على التحويلات".
هل هي صدفة أم مقدمة لانفجار أكبر؟
في ظل استمرار انقطاع خدمات الاتصالات البنكية لليوم الخامس، وغياب توضيحات فنية رسمية عن الجهة المسؤولة، يزداد الغموض حول ما يحدث فعليًا خلف الكواليس، فهل نحن أمام عطل تقني حقيقي، أم أمام إعادة ترتيب للسيطرة المالية في ظل انهيار متدرج للنظام الاقتصادي؟ وفي غياب الشفافية والرقابة البرلمانية الحقيقية، يبقى المواطن المصري هو المتضرر الأكبر، بين نظام مصرفي غير مستقر، ودولة تفتقد لإستراتيجية اقتصادية واضحة.