يُعدّ معبر الكرامة المنفذ الوحيد تقريباً لسكان الضفة الغربية إلى العالم الخارجي، حيث يربط الضفة بالأردن ومنها إلى بقية الدول. ومع كل إغلاق تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يجد ملايين الفلسطينيين أنفسهم أمام حصار جديد يقيّد حركتهم ويضاعف معاناتهم اليومية.

إغلاق المعبر الأخير جاء ليحرم أكثر من 3 ملايين فلسطيني من حرية التنقل والسفر، سواء لأغراض التعليم أو العلاج أو التجارة أو حتى لزيارة الأقارب. ويُقدَّر أن أكثر من 7 آلاف مسافر يعبرون المعبر يومياً في الظروف الطبيعية، أي أن قرار الإغلاق يعطّل حياة عشرات الآلاف أسبوعياً.
 

انعكاسات اقتصادية خانقة

تقديرات الغرف التجارية الفلسطينية تشير إلى أن إغلاق المعبر يكبد الاقتصاد المحلي خسائر مباشرة تتجاوز 10 ملايين دولار أسبوعياً، نتيجة توقف حركة التبادل التجاري وانقطاع الموردين ورجال الأعمال عن أسواقهم في الأردن والخليج. كما تتأثر قطاعات حيوية مثل السياحة الدينية، إذ يحرم الإغلاق آلاف الحجاج والمعتمرين من العبور نحو السعودية عبر الأردن.

تجار نابلس ورام الله يؤكدون أن اعتمادهم الأساسي على معبر الكرامة لاستيراد السلع والمواد الخام من الأردن، وأن أي إغلاق – حتى لو كان لساعات – يرفع الأسعار فوراً داخل الضفة. هذا الانعكاس يُترجم مباشرة إلى المواطن الذي يواجه ارتفاعاً متواصلاً في تكاليف المعيشة.
 

تداعيات إنسانية واجتماعية

الشق الإنساني لا يقل خطورة؛ إذ أن آلاف المرضى يعتمدون على المعبر للوصول إلى المستشفيات الأردنية لتلقي العلاج. وتشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن نحو 25% من مرضى السرطان والفشل الكلوي في الضفة يتلقون علاجهم في الخارج عبر معبر الكرامة. إغلاق المعبر يعني تأجيل مواعيد عمليات حرجة، ما يهدد حياة المئات.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن عشرات آلاف العائلات الفلسطينية الموزعة بين الضفة والأردن والخليج تجد نفسها معزولة قسرياً، غير قادرة على التواصل المباشر أو لمّ الشمل. ويصف ناشطون حقوقيون هذه السياسة بأنها "عقاب جماعي" يهدف إلى عزل الفلسطينيين وتفكيك الروابط الأسرية.
 

البعد السياسي والسيادي

إغلاق المعبر يكشف مرة أخرى غياب أي سيادة فلسطينية حقيقية على الحدود. فرغم أن المعبر يقع نظرياً تحت إدارة السلطة الفلسطينية والأردن، إلا أن السيطرة الفعلية تبقى بيد الاحتلال الذي يملك الكلمة الأخيرة في الفتح والإغلاق. هذا الواقع يحوّل حياة الفلسطينيين إلى رهينة قرار سياسي إسرائيلي، يستخدم كأداة للضغط والابتزاز.

الأرقام الرسمية الأردنية تشير إلى أن أكثر من 3.5 مليون مسافر عبروا الجسر عام 2023، 90% منهم فلسطينيون من الضفة الغربية. وبالتالي، فإن أي تعطيل في هذا المعبر لا يضرب الفلسطينيين فقط، بل يرهق الأردن اقتصادياً ولوجستياً، حيث يتحمل عبء تنظيم الحركة البديلة.
 

انتقادات حقوقية ودولية

منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"الحق" اعتبرت أن إغلاق معبر الكرامة يشكل انتهاكاً صارخاً لحق الفلسطينيين في حرية الحركة المكفول بالقانون الدولي. كما أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن القيود على حركة الفلسطينيين تساهم في "خنق الاقتصاد الفلسطيني" وتوسيع الفجوة التنموية مع إسرائيل.
كما يرى محللون أن الاحتلال يوظف سياسة إغلاق المعابر لتعميق تبعية الفلسطينيين لإسرائيل، سواء في مجال الاستيراد أو تصدير العمالة، بما يضمن استمرار السيطرة على اقتصاد الضفة.

الخلاصة أن إغلاق معبر الكرامة ليس مجرد إجراء أمني كما يروّج الاحتلال، بل هو جزء من منظومة حصار شاملة تُستخدم لإخضاع الفلسطينيين وإضعاف اقتصادهم وعزلهم عن العالم الخارجي. الأرقام واضحة: ملايين محرومون من حرية التنقل، مئات الملايين من الدولارات تُهدر سنوياً، وآلاف المرضى يُتركون لمصير مجهول.

وفي غياب ضغط عربي ودولي فعّال، يظل الفلسطينيون في الضفة الغربية عالقين بين جدران الاحتلال، يدفعون ثمن قرار سياسي ظالم يحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية: الحق في الحركة والحياة الكريمة.